الجمعة ١٩ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
06:05:15am

حسام الخشت: الرجل الصعيدى فى الدراما المصرية

الأربعاء ٢٦ - فبراير - ٢٠٢٥

حسام حسن الخُشت – أمين تنظيم حزب العدل

يكتب: صعيدي ولكن

 

عندما تذكر كلمة صعيدي تتبادر إلى الأذهان صورة الرجل الذي يرتدي الجلباب والعمامة يتحدث بلهجة ثقيلة

ويعيش في عالم تحكمه قوانين الثأر والصراعات القبلية هذه الصورة التي عززتها في العقود الأخيرة لا تعكس 

حقيقة الصعيد ولا تعبر عن تنوعه الثقافي والاجتماعي فالصعيدي ليس مجرد شخصية نمطية في مسلسل تلفزيوني

بل هو جزء من مجتمع يمتد عبر التاريخ له جذوره العميقة في الحضارة المصرية وله إسهاماته في مختلف مجالات

الحياة ومع ذلك فإن الصورة التي رسمتها الدراما أثرت سلبًا على فهم الآخرين لهذا المجتمع وحتى على نظرة أبناء الصعيد لأنفسهم 

 

لعبت المسلسلات الرمضانية في العقد الأخير دورًا كبيرًا في تشكيل رؤية المجتمع المصري للصعيد معظم هذه الأعمال

ركزت على الجوانب السلبية مثل الثأر والعنف والسلطة الأبوية القاسية مع تجاهل واضح للجوانب الإيجابية التي يتمتع 

بها الصعيد بحسب دراسة للدكتورة فاطمة الزهراء صالح بعنوان اتجاهات الجمهور نحو الصورة الإعلامية لمجتمع

الصعيد في الدراما المصرية 2020 فإن الدراما صاغت صورة مشوهة للصعيد متأثرة بعوامل اقتصادية وسياسية  

مما جعل المجتمع الصعيدي يبدو وكأنه معزول عن التطور ومحصور في صراعات قبلية وأشارت الدراسة

إلى أن 67.3% من الجمهور المستطلع رأيهم يرون أن الدراما عززت فكرة أن الصعيد مجتمع مغلق وغير متطور

رغم أن الواقع مختلف تمامًا وعلى الرغم من أن بعض هذه القضايا موجودة بالفعل في مناطق معينة فإن تعميمها

على الصعيد كله يخلق صورة زائفة عن مجتمع غني بالتنوع الثقافي والعلمي 

 

هذه الصورة النمطية لم تؤثر فقط على نظرة المجتمع للصعيديين بل امتدت لتشمل أبناء الصعيد أنفسهم دراسة أخرى 

للباحثة أسماء عارف محمد عمر بعنوان التعرض لقضايا الصعيد في المسلسلات التليفزيونية وانعكاسها على

تشكيل حالة المزاج العام لدى جمهور جنوب الصعيد 2021 أظهرت أن أكثر من 82.5% من جمهور الصعيد

شعروا بمزاج سلبي عند مشاهدة المسلسلات التي تناولت قضاياهم إذ وجدوا أنها تركز فقط على المشاكل والعنف

دون تقديم صورة متوازنة هذه النظرة أحبطت الكثير من الشباب الصعيدي وجعلتهم يشعرون وكأنهم محاصرون 

في قالب درامي لا يعكس طموحاتهم الحقيقية كما أن بعض الشباب بدأوا يتأثرون بهذه الصورة سواء في 

طريقة الكلام أو السلوك وكأنهم يحاولون تقمص الدور الذي فرضته عليهم الشاشة

 

في الواقع الصعيد ليس مجرد مشاهد متكررة من الثأر والأسلحة بل هو مهد الحضارة المصرية القديمة ومنه

خرج علماء وأدباء ومهندسون وأطباء كان لهم دور بارز في تقدم مصر الصعيد اليوم يضم جامعات

ومراكز بحثية ومشروعات تنموية تغير ملامحه باستمرار فلا يمكن اختزال مجتمع يمتد من الجيزة إلى

أسوان ويضم محافظات ذات تاريخ طويل مثل الأقصر وسوهاج وأسيوط في صورة واحدة سطحية

وحتى على المستوى الاجتماعي هناك تطورات كبيرة حيث أصبح التعليم أكثر انتشارًا وبدأت المرأة تلعب

دورًا أكثر فاعلية في الحياة العامة وهو ما تتجاهله الدراما تمامًا

 

لتغيير هذه النظرة النمطية يجب أن يتحمل صناع الدراما مسؤوليتهم في تقديم صورة أكثر دقة وتنوعًا عن الصعيد بدلًا

من التركيز على القصص التقليدية عن الصراعات يمكن تناول موضوعات تعكس التطور الذي يشهده الصعيد مثل

نجاحات أبنائه في مختلف المجالات ودور المرأة في المجتمع والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها 

كما يمكن أن يكون هناك اهتمام أكبر باللهجة الصعيدية الحقيقية بدلًا من اللهجات المصطنعة التي تظهر في

المسلسلات بالإضافة إلى ذلك فإن وجود كتاب سيناريو ومخرجين من أبناء الصعيد يمكن أن يسهم في تقديم

صورة أكثر واقعية بعيدًا عن التصورات المستوردة من الخارج 

 

إن تقديم الصعيد في الدراما المصرية بهذا الشكل النمطي لا يسيء فقط إلى أهله بل يسيء إلى الوعي العام

الذي بات يرى في الصعيديين مجرد شخصيات درامية محاصرة بين الثأر والجلباب والمواجهات الدامية

وكأن الصعيد الذي أنجب قادة الفكر والعلم من رفاعة الطهطاوي إلى عبدالباسط عبدالصمد لم يكن يومًا

موطنًا للإبداع والحضارة هذه الدراما لم تكتف بتشويه الواقع بل ساهمت في إعادة إنتاج الصورة المشوهة وكأنها

تحاصر الصعيدي داخل شاشة التلفزيون لتقول له هذا أنت وهكذا ستبقى في مقاله الشهير الصعيد ليس على الهامش

بل أنتم الذين لا ترونه كتب الصحفي الصعيدي محمد أبو زيد عن كيف أن الإعلام لا يرى في الصعيد سوى صراعاته

متجاهلًا قصص النجاح الحقيقية ويرى أبو زيد أن المشكلة ليست فقط في الدراما بل في نظرة المركزية القاهرية إلى كل ما هو

خارجها على أنه أقل مما يجعل حتى قصص النجاح الصعيدية لا تحظى بالتقدير الذي تستحقه إن الصعيد لا يحتاج إلى

مسلسلات تبريرية تجمل صورته لكنه يحتاج إلى عدالة درامية حقيقية تنصفه كما هو مجتمع متغير يمتد بين التقاليد والتطور

يحافظ على جذوره لكنه يسير نحو المستقبل ويصنعه بأيد من ذهب نحن لا نريد أن تكتبوا عنا كما تريدون أن ترونا بل كما نحن 



موضوعات مشابهه