الجمعة ١٩ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
02:45:12am

تغير وجه مصر في رمضان عند دخول المعز لدين الله وبداية العصر الفاطمي

الأحد ٠٢ - مارس - ٢٠٢٥

  بقلم : الأستاذ حسام الخشت، أمين تنظيم حزب العدل 

 

 

دخل المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر في يوم تاريخي من شهر رمضان عام ٣٦٢هـ الموافق ٩٧٣م

بعد أن مهد له قائده جوهر الصقلي الطريق بفتح مصر قبل ذلك بأربع سنوات كان هذا الحدث تحولًا جذريًا في

تاريخ مصر حيث انتقلت من تبعية الخلافة العباسية إلى الحكم الفاطمي وأصبحت مركزًا للخلافة الإسماعيلية

التي أرادت فرض نفوذها على العالم الإسلامي كان دخول المعز إلى مصر إيذانًا ببداية مرحلة جديدة على

المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية

 

يرى ابن خلدون في كتابه المقدمة أن الدولة الفاطمية لم تكن مجرد قوة سياسية توسعية بل كانت ذات مشروع فكري

وديني يسعى إلى نشر العقيدة الإسماعيلية وتحدي هيمنة العباسيين في بغداد أشار إلى أن الفاطميين استخدموا السياسة

والدعوة السرية لبناء قاعدة قوية قبل أن يفرضوا حكمهم بالقوة العسكرية حيث تمكنوا من السيطرة على مصر

دون مقاومة تذكر بسبب حالة الضعف والانقسام التي كانت تعانيها الدولة الإخشيدية اعتبر ابن خلدون أن

دخول المعز إلى مصر لم يكن مجرد تغيير في الحاكم بل كان تغييرًا في البنية الفكرية للدولة

حيث حاول الفاطميون إنشاء نظام جديد يختلف عن التقليد السني العباسي

 

عندما دخل المعز إلى مصر اختار أن تكون عاصمته مدينة جديدة بدلًا من الفسطاط التي كانت مقر الحكم من

قبل فقام بتأسيس القاهرة والتي أصبحت مركز الحكم الفاطمي لقرون لاحقة اهتم المؤرخ عبد الفتاح عشماوي

في كتابه القاهرة نشأتها وتطورها عبر العصور بتفصيل أهمية تأسيس القاهرة وأكد أن بناءها لم يكن مجرد قرار

إداري بل كان مشروعًا استراتيجيًا يهدف إلى حماية الحكم الفاطمي من أي تهديدات داخلية أو خارجية

أشار إلى أن القاهرة لم تكن مجرد مدينة بل كانت قلعة سياسية وعسكرية حيث تم تحصينها بأسوار ضخمة

وبوابات قوية مثل باب الفتوح وباب زويلة وأصبحت مقر الحكم ومركز القيادة السياسية والعسكرية

 

اهتم الفاطميون ببناء مؤسسات سياسية ودينية تدعم حكمهم وكان إنشاء الجامع الأزهر من أهم الخطوات

التي قام بها المعز بعد دخوله إلى مصر عام ٩٧٣م لم يكن الأزهر مجرد مسجد بل كان مركزًا فكريًا وتعليميًا

يهدف إلى نشر الفكر الإسماعيلي وتكوين نخبة موالية للخلافة الفاطمية كما أصبح بعد ذلك مؤسسة علمية كبرى

أثرت في تاريخ الإسلام بشكل واسع يشير عشماوي إلى أن الأزهر كان أحد الأدوات التي استخدمها الفاطميون لترسيخ

مذهبهم لكنهم لم يتمكنوا من فرضه بالكامل على المجتمع المصري الذي ظل أغلبه على المذهب السني

 

من الناحية الاقتصادية أحدث الفاطميون تغييرات كبيرة في نظم الإدارة والضرائب حيث وضعوا نظامًا أكثر

مركزية ساهم في تعزيز سيطرة الدولة على مواردها الاقتصادية اعتمدوا على التجارة بشكل أساسي وجعلوا من مصر

مركزًا تجاريًا عالميًا يربط بين الشرق والغرب اهتموا بتطوير الأسواق وتوسيع النشاط الزراعي عن طريق مشاريع

الري واستصلاح الأراضي يذكر عشماوي أن الفاطميين كانوا روادًا في تنظيم الأسواق التجارية وفرض الضرائب العادلة

لضمان تدفق الأموال إلى خزائن الدولة مما جعل مصر واحدة من أكثر المناطق ازدهارًا في ذلك الوقت

 

لم يكن دخول المعز مجرد تغيير سياسي بل أدى إلى تحولات اجتماعية وثقافية كبيرة استقدم الفاطميون عناصر جديدة

من شمال إفريقيا والمغرب العربي والسودان والفرس مما أدى إلى تنوع النسيج الاجتماعي في مصر ظهر هذا التأثير

في الملبس والعادات والتقاليد وحتى في طريقة بناء المنازل والأسواق اهتم الفاطميون بالفنون الإسلامية حيث شهدت مصر

في عهدهم نهضة في العمارة والزخرفة والخط العربي وصناعة الحلي والمنسوجات تطورت المهرجانات والاحتفالات العامة

مثل الاحتفال بالمولد النبوي وشهر رمضان بشكل واضح في تلك الفترة

 

واجه الفاطميون معارضة كبيرة من بعض الفقهاء والعلماء السنة الذين لم يتقبلوا المذهب الإسماعيلي بسهولة

كما واجهوا مقاومة سياسية من القوى التي كانت تدين بالولاء للخلافة العباسية يرى ابن خلدون أن السبب الرئيسي

في عدم نجاح الفاطميين في تحويل مصر بالكامل إلى دولة إسماعيلية هو عمق التقاليد السنية في البلاد وولاء معظم

السكان للخلافة العباسية رغم ضعفها لذلك اضطر الفاطميون إلى التكيف مع الواقع والاعتماد على التسامح الديني للحفاظ على استقرار حكمهم

 

على الرغم من نجاح الفاطميين في بناء دولة قوية استمرت لقرنين من الزمن إلا أن دولتهم تعرضت لاحقًا للضعف بسبب

الصراعات الداخلية وتفكك النظام الإداري مما أدى إلى سقوطها على يد صلاح الدين الأيوبي عام ١١٧١م يرى عشماوي

أن سقوط الدولة الفاطمية لم يكن بسبب ضعفها العسكري فقط بل بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي أضعفت

قبضتها على الحكم كما أن صعود القوى السنية في المنطقة جعل من الصعب استمرار وجود الخلافة الفاطمية في مصر

 

يظل دخول المعز إلى مصر واحدًا من أبرز الأحداث في تاريخ البلاد فقد غير المشهد السياسي والديني والاقتصادي

وشكل ملامح القاهرة التي لا تزال حتى اليوم تحمل آثار الحقبة الفاطمية في معمارها وتقاليدها وثقافتها يعتبر ابن خلدون

وعشماوي وغيرهما من المؤرخين أن الفاطميين رغم سقوط دولتهم تركوا إرثًا حضاريًا عظيمًا لا يزال جزءًا من هوية مصر والعالم الإسلامي



موضوعات مشابهه