الجمعة ١٩ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
02:44:33am

أزمة الثقة بين الدولة والمواطن

الأحد ٠٢ - مارس - ٢٠٢٥

مقال : للأستاذ /على ابو حميد ، أمين شئون العضوية لحزب العدل

أزمة الثقة بين الدولة والمواطن: كيف وصلنا إلى هنا؟


صوت المذياع في صباح 5 يونيو 1967 يصدح بصوت المذيع أحمد سعيد معلنًا عن إسقاط طائرات العدو

ليصنع صورة وهمية عن انتصارات ساحقة لا تتوقف، بينما كانت الحقيقة تكشف عن واقع مغاير تمامًا

 

كانت تلك اللحظات بداية لفترة طويلة من التضليل الإعلامي الذي مارسته الحكومات المصرية المتتالية ضد شعبها

حيث كان المواطن يُعرض لصورة غير حقيقية عن الأوضاع، سواء في الحروب أو الأزمات الداخلية

 

من نكسة 1967، إلى وعود مبارك بالإصلاح السياسي في 2005 الذي تحول إلى مزيد من القمع وصولًا إلى 

التضليل الإعلامي الذي رافق ثورة 25 يناير 2011، كانت الحكومات تُصر على نشر الأكاذيب لإخفاء الحقائق


حادثة قطار الصعيد في 2002 لم تكن استثناء، حيث تم التقليل من حجم الكارثة في البداية

فيما كانت الصورة الحقيقية أكثر مأساوية

 

وفي السنوات التالية، كانت الأزمات الاقتصادية، مثل التصريحات عن قوة الجنيه المصري و ان الفترة القادمة

سينهار الدولار والتي تبين لاحقًا أنها مجرد أوهام، تؤكد غياب الشفافية والمصداقية


حتى في قضايا جوهرية مثل سد النهضة، كان المواطن يسمع تصريحات مبشرة بالنجاح بينما الواقع

يشير إلى عجز حكومي أمام تحديات لم تكن تملك القدرة على مواجهتها

 

في كل هذه اللحظات، كان المواطن يجد نفسه أمام حكومات تُصور له الواقع بطريقة لا تمت للحقيقة بصلة

مما عمق الفجوة بين الدولة والشعب وأدى إلى انعدام الثقة التي ما زلنا نعيش تداعياتها حتى اليوم

 

لم تكن أزمة الثقة بين المواطن والدولة وليدة اللحظة، بل هي نتاج هذه العقود من السياسات والممارسات

التي عززت الفجوة بين الطرفين

اليوم، نجد أنفسنا أمام واقع أصبح فيه المواطن يشكك في كل تحرك حكومي، ويرى أي قرار رسمي على

أنه إما مؤامرة أو محاولة لخداعه 

فما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة؟

والأهم، هل هناك طريق لاستعادة هذه الثقة؟

 

جذور الأزمة

1. التجارب التاريخية المتكررة للكذب والتضليل

لسنوات طويلة، تعرض المواطن لحملات إعلامية رسمية مليئة بالتناقضات والوعود الزائفة، مما جعله يفقد الثقة

في أي رواية حكومية و منذ عهود 


2. القمع وانعدام المحاسبة

عندما يرى المواطن أن القوانين تُطبَّق بانتقائية، وأن المسؤولين عن الانتهاكات لا يخضعون لأي عقاب

يصبح لديه يقين بأن العدالة ليست للجميع

 

3. احتكار الإعلام والتوجيه القسري للرأي العام

سيطرة الدولة على الإعلام وفرض سردية واحدة تُضعف أي مصداقية لها، حيث يدرك المواطن أن المعلومة

التي يتلقاها ليست بالضرورة الحقيقة الكاملة


4. تهميش المعارضة والمجتمع المدني

قتل السياسة وإفراغها من مضمونها الحقيقي جعل أي معارضة تبدو وكأنها مجرد امتداد للنظام نفسه

و مسرحية مما زاد من الإحباط الشعبي


نتائج أزمة الثقة

تحول المواطنين إلى مصادر بديلة للمعلومات، بغض النظر عن مصداقيتها

التعاطف مع الخارجين عن القانون، ليس حبًا فيهم، بل كرهًا للنظام

انهيار أي مبادرات حكومية، حتى لو كانت جيدة، بسبب عدم تصديق نواياها

انعدام المشاركة السياسية الفعالة، حيث يرى المواطن أن كل شيء محسوم مسبقًا

 

كيف يمكن استعادة الثقة؟

1. الشفافية والمحاسبة

الدولة بحاجة إلى نهج جديد يعتمد على كشف الحقائق، حتى لو كانت غير مريحة، ومحاسبة أي مسؤول يخطئ بشكل واضح

2. إصلاح مؤسسات إنفاذ القانون

يجب إعادة النظر في طريقة تعامل الأمن مع المواطنين، واستبدال عقلية السيطرة بعقلية الخدمة

3. تحرير الإعلام

السماح بوجود إعلام مستقل يُعطي صورة متوازنة للأحداث، ويتيح المجال لمختلف الآراء، هو خطوة ضرورية

4. إعادة الحياة السياسية

وجود معارضة حقيقية ونزيهة هو ضمانة أساسية لإعادة التوازن للمشهد العام

5. تمكين المجتمع المدني

المؤسسات المجتمعية يجب أن تكون شريكًا في التنمية، وليس مجرد أداة تُستخدم عند الحاجة


هل هناك أمل؟

استعادة الثقة ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة

أي خطوة جادة في الاتجاه الصحيح ستُقابل بقدر من الترقب والشك، لكن مع الوقت

ومع إثبات حسن النية بالأفعال وليس بالأقوال، يمكن سد هذه الفجوة وإعادة بناء

علاقة صحية بين المواطن والدولة

 

السؤال الحقيقي هو: هل هناك إرادة سياسية حقيقية للقيام بذلك؟؟؟



موضوعات مشابهه