الخميس ١١ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
10:24:02pm

الفعل الصامت يغلب القول البرَّاق

الأربعاء ٠٥ - مارس - ٢٠٢٥

بقلم : نيفين ياقوت

إن قضية التربية الصالحة الصحيحة، قد شغلت الآباء والأمهات، والمربِّين والمربيات، كُلٌّ يريد أن يخرج جيلًا قويًّا، جيلًا يكون شامة في جبين التاريخ، يُعيد للأمَّة أمجادَها، ويُحيي لها ذكرها، ومن أهم وسائل التربية الصحيحة: التربية بالقدوة؛ فإن للأفعال تأثيرًا لا يقل أثره عن الأقوال والتوجيهات، والناس -كما يقول الإمام الغزالي رحمه الله- لا يتعلمون بآذانهم؛ بل بعيونهم. وإن الحديث عن قيمة القدوة الحسنة، ووجود القدوات ليس حديثًا مترفًا.

ولا تنظيرًا فلسفيًّا قليل الفائدة والمحتوى؛ بل الواقع أن الإنسان إنما يكتسب أخلاقه وخبراته ومهاراته بالمحاكاة والاقتداء، والمشاهد أن الفعل الصامت يغلب القول البرَّاق، أنا وأنت، وهو وهي، كُلٌّ مِنَّا بحاجة إلى وجود القدوة الهادي، وهي حاجة فطرية جِبِلِّيَّة. بالقدوة تستصلح البيوت أو تفسد، وبالقدوة تُبْنى الأجيال أو تضيع، فإنْ أردتم التغيير الناعم والتأثير الساحر، فاصنعوا القدوات الصالحة، خذوها وعوها: إن غرستم القدوات الصالحة، جنيتم جيلًا صالحًا طيِّب الأعراق، أعطني قدوة واحدة، ووفِّر بعدها ألف خطبة، وألف ألف مقال، أعطني قدوة صالحة، أعطيك عشرة أمثاله؛ بل أكثر، والله يبارك لمن يشاء.

وإذا تساقطت القدوات أو أُسْقِطوا، فلا تجني من الأجيال إلَّا أشباه الرجال: إذا غابت القدوات أو غُيِّبُوا، فانتظر جيلًا تافهًا في تفكيره واهتماماته، ومن يزرع الشوك فلا يتحيَّن خُروج العِنب، إذا فُقِدَت القُدْواتُ في باب العمل، فانتظر جيلًا خاملًا كسولًا، وإذا فقدت قدوات الأمانة، فارتقب حينها جيلًا خائنًا فاسدًا، للحقوق آكلًا ومُضيِّعًا، وإذا غابت القدوات في العلم فسيتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فغياب القدوة الصالحة نتيجته الحتمية: ظهور قدوات فاسدة، وهذا ما فَهِمَه وأدركَه أعداءُ الإسلام والمسلمين.
تُعتبر الأم المعلمة الأولى للأبناء، فمنذ الولادة يبدأ الطفل بالتفاعل مع والدته والتعلّم منها كيف يتفاعل مع الآخرين، وذلك لأنّها تقضي وقتًا أطول من الأب مع الطفل؛ بسبب احتياجات الطفل التي لا يُمكن إلّا للأم غالبًا تلبيتها .

كما أثبتت العديد من الدراسات أنّ قيام الأم بدور تربية الأبناء بشكلٍ فعال يساعد على بناء رابطة عاطفية قوية فيما بينهم ضرورية لبناء الثقة في نفس الطفل، ومن ناحيةٍ أخرى، يؤدي عدم وجود هذا الارتباط إلى شعور الطفل بالقلق والاكتئاب، تصرفه بطريقةٍ عدوانية وعنيفة .وهنا يتعين على الأم بموجب تلك الرابطه العاطفية القويه والثقه التي نشأت تلقائيا في نفوس أبنائها أن تستخدمها استخداما جيداً وذكيا لتربية الأبناء على حب الوطن وغرس المعاني السامية عنها والإنتماء لها.

والام عليها أن تستخدم افعالها قبل كلامها لتحقيق هذا الغرض وتحرص على ذلك حرصا شديداً منذ صغرهم حتى يتشربوا هذا المعتقد النبيل الذي هو سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم . لا بد أن يعلموا عقيدة حب الوطن والدفاع عنه أنه من أنواع العبادة قولا وفعلاً التي يجب على الآباء والأمهات والمربين زرعها في الأطفال ، فحب الاوطان يكبر في قلوب الصغار كلما كبرت أعمارهم، وكلما تربى الطفل على حب وطنه، كلما كان مواطناً صالحاً في المستقبل يشارك في بناء وطنه، ومحصّنا ضد التيارات المنحرفة التي تحاول أن تغزو عقول الشباب، ولا شك أن للآباء والأمهات دورا كبيرا جداً في تعزيز انتماء وولاء الأبناء للوطن، فالأسرة هي لبنة المجتمع الأولى ومنها يبدأ صلاح المواطن والمجتمع، ومنها يبدأ تحصين الأبناء وتعزيز روح المواطنة فيهم، وهناك الكثير من الأمور التي يجب أن يلتفت لها الآباء والأمهات لتربية أبنائهم على حب الوطن وتعميق المواطنة.

تقول الاخصائية النفسية والأسرية الاستاذة ميسون ماضي، في حديث مع "نساء إف إم" "اغرسوا فيهم حب الوطن، أخبروهم أن النشيد الوطني ليس فقط نشيدا نردده كل يوم في الطابور الصباحي في المدرسة؛ بل هو حب وانتماء، فسّروا لهم معاني النشيد الوطني حتى يعوا ويدركوا اهمية الوطن، شاركوا أبناءكم الاحتفال بالمناسبات الوطنية التي تقام في الدولة طوال العام، أخبروهم ان يوم النكبة هو يوم حزين للوطن، وان يوم الشهيد هو يوم تضحية وبذل الروح، افتحوا قنوات حوار مع أبنائكم عن الوطن، أخبروهم كيف كناّ وكيف أصبحنا وكيف بنُي هذا الوطن وما التضحيات التي قُدمت، أخبروهم أن هناك شهداء قدموا أرواحهم للوطن حتى نكون أنا وأنت بخير. "

الأبناء هم الجيل القادم الذي سيكمل مشوار التطور ويحمي الحدود ويرفع البناء، لذا يجب أن يكونوا محصنين جيداً بحب الوطن واحترامه والدفاع عنه وعن أرضهم وقادتهم وشعبهم
ولقد حثت الشريعة الإسلامية على تربية الأولاد، وحمَّلت الآباء والأمهات مسؤولية ذلك، وجعلت هذه المسؤولية مشتركة بين الأب والأم معاً، وليست مقتصرة على أحدهما دون الآخر، ولكن الشريعة خصت الأم بالعبء الأكبـر في ذلك؛ لِـمَا للأم من الأهميـة البالغة في تربية الأبناء؛ وعظم تأثرهم بها، واطلاعها على أحوالهم لطول فترة ملازمتهم لها؛ جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها».

وقدمت الشريعة الأم على الأب في صناعة الأولاد منذ الصغر؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى أن المرأة أحق بولدها ما لم تزوج» ذلك أنها أخبر بحضانة الطفل، وأكثر شفقة ودراية بحاجته من الأب. قال الماوردي واصفاً حال الأم مع أولادها: «والأمهات أكثر إشفاقاً، وأوفر حبّاً؛ لما باشرن من الولادة، وعانين من التربية؛ فإنهن أرق قلوباً، وألين نفوساً»

والأم بجدارة هي مربية الأجيال، وصانعة الرجال، والأمينة على أخلاق الأطفال، والمدرسة الأولى في تنمية أخلاق العيال، وتعديل سلوكيات الأطفال؛ كما قال حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

والأم هي المعنية بالمقام الأول بتحقيق ما قرره بعض التربويين بقوله: «أعطني السبع السنوات الأولى من عمر طفل، أعطيك رجلاً» فهي من ينقش في لب الأولاد المعاني والمفاهيم، ويرسخ فيهم الآداب والقيم. وهي المعنية أيضاً بالمثل السائر: «وراء كل رجل عظيم امرأة».

وتربية الرجال وصناعة الأجيال ليست بالأمر السهل؛ بل هي مهمة صعبة وشاقة، تستدعي مزيداً من الصفات التي يجب أن تتوفر لدى مربية الرجال وصانعة الأجيال؛ ومن ذلك: أن تكون صالحة في نفسها، مصلحة لغيرها من أخواتها المسلمات، طائعة لربها ولزوجها في رضا ربها، حافظة لفرجها، صائمة لشهرها، قائمة بما أوجب الله عليها، مبتعدة عما نهى الله عنه قدوة حسنة لأبنائها. محبه لوطنها مخلصة له



موضوعات مشابهه