الخميس ٢٥ - ديسمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
10:15:27am

الكبت الذي يقود الإنسان إلى الموت الصامت

الجمعة ٢٨ - نوفمبر - ٢٠٢٥

 بقلم: دكتورة داليا خليل اخصائي نفسي دكتوراه صحة نفسية وعلاج الإدمان

الكبت مش مجرد كلمة بنسمعها في الجلسات النفسية، ولا مجرد “سكوت” بيعدّي. الكبت حالة داخليّة بتتحول فيها المشاعر من صوت عالي إلى همس مكتوم، ومن إحساس واضح إلى وجع مالوش عنوان. الكبت أشبه بصندوق مقفول جوه الإنسان، بيجمع فيه خوفه وحزنه وزعله وكسوره، لحد ما يتحول الصندوق ده لقنبلة بطيئة… بتنفجر من جوا، مش من برا.

وخطورة الكبت إنه مش بيقتل مرة واحدة، لكنه بيستنزف الروح على فترات، لحد ما يوصل الإنسان لنوع من “الموت الصامت”؛ موت نفسي قبل ما يكون جسدي.

في المقال ده هنتكلم عن أهم صور الكبت اللي بتوصل الإنسان للحالة دي، وهنشرحها بلغة بسيطة وواضحة.

1. كبت الكلام… لما الصوت يختفي من كتر الوجع

في ناس بتتعلم من بدري إن الكلام خطر، وإن التعبير ضعف، وإن البوح نوع من التعرّي.
فيبدأ الشخص يحبس الجملة ورا الجملة، لحد ما صوته ينحصر جوا صدره.
كبت الكلام بيخلق ضغط رهيب:

جملة كان محتاج يقولها ويتفهم.
سؤال كان محتاج يسأل
اعتذار كان نفسه يسمعه.
كل ده بيتراكم… ومع الوقت يتحول الكلام اللي مات على اللسان إلى وجع ينهش القلب.

2. كبت الحزن… دموع متحجرة وابتسامة مجاملة

أسوأ أنواع الحزن هو اللي محدّش يشوفه.
اللي صاحبه بيتحرك بين الناس وهو لابس قناع القوة، بينما جواه طفل قاعد بيعيط على أطلال نفسه.
لما الإنسان يمنع نفسه من البكاء خوفًا من النقد أو السخرية، الدموع مش بتهرب… الدموع بتتخزن.
والدموع المخزّنة بتتحول مع الوقت لثقل في الصدر، صداع، تعب، وعصبية ملهاش سبب.
الحزن المكبوت يشبه “زجاج مكسور” جوه الروح، كل نفس يوجع.

3. كبت الغضب… هدوء من برّا، بركان من جوّا

في ناس بتتربى على فكرة: “لو اتعصبت تبقى قليلة أدب”.
فبيتعلم الإنسان يبتلع الغضب زي ما بيبلع اللقمة.
لكن الغضب مش بيختفي، الغضب بيتخمّر…
وبيتراكم في شكل:

ضغط دم عالي

توتر دائم

انفجار في وقت غير مناسب

أو انهيار كامل من موقف بسيط جدًا

الغضب المكبوت بيحوّل الإنسان لقنبلة ساكتة، والانفجار دايمًا بيجي في أضعف لحظة.
4. كبت الاحتياجات… لما الإنسان ينسى إنه محتاج

في ناس اتربّت على إن طلب الاحتياج “أنانية”، أو إن التعبير عن رغباتهم “قلة قيمة”.
فيبدأ الشخص يدفن احتياجه للراحة، للحنان، للدعم، للوقت الخاص.
ومع كل مرة بيكبت فيها نفسه، بيخسر حتة من روحه.
الإنسان اللي بيتعلم يتنازل عن نفسه كتير… في الآخر بيصحى يلاقي نفسه مش موجود أصلًا.

5. كبت الخوف… قلب ثابت من برّا، مرعوب من جوّا

الخوف الطبيعي بيحمي الإنسان، لكن الخوف المكبوت بيقتله.
الإنسان اللي يخاف وميسمحش لنفسه يعترف، يعيش طول الوقت في استعداد للكارثة.
والجسم بيدفع ثمن التأهب المستمر ده:

ضربات قلب سريعة

قلق دائم

نوم متقطع

إحساس بالشبح اللي ماشي وراه طول الوقت


الخوف المكبوت مش بيظهر، لكنه بيسيطر.

6. كبت الحقيقة… لما الإنسان يعيش حياة مش حياته

في ناس بتدفن حقيقتها عشان ترضي غيرها:

شغل مش بتحبه

علاقة مؤذية

دور أكبر من طاقتها

شخصية ليست شخصيتها
ومع الوقت الإنسان يحس إنه فقد ملامحه.
كبت الحقيقة يقود لأسوأ أنواع الموت الصامت… موت الهوية.

7. كبت الصراخ الداخلي… “أنا تعبان” اللي عمرها ما اتقالت

أحيانًا كل اللي الإنسان محتاجه إنه يقول: “أنا مش قادر”.
لكن المجتمع يعلمه إن القوة هي السكوت.
فيكتم صراخه الداخلي، ومع الأيام يتحول الصراخ ده لوجع مزمن ساكن في الضلوع…
وجع ملهوش اسم… لكن لونه أسود وثقيل.

لماذا يتحول الكبت إلى “موت صامت”؟

لأن الإنسان اللي بيكتم كل حاجة جواه بيموت على مراحل:

مرحلة فقد الحماس

مرحلة فقد الإحساس

مرحلة فقد القيمة

مرحلة الانسحاب من الحياة

مرحلة إنه يعيش بجسد حاضر وروح غائبة

الكبت يسرق الصوت… ثم الدافع… ثم الرغبة… ثم الأمل.

كيف يبدأ الشفاء؟ خطوة واحدة بس… التعبير

النجاة تبدأ من جملة صغيرة:
“أنا محتاج أتكلم.”
أو
“أنا موجوع.”
أو
“أنا مش بخير.”

التعبير مش ضعف… التعبير شجاعة.
والمشاعر مش عيب… المشاعر دليل إنك لسه حي.

** ختامًا**
الكبت قد يبدو صمت، لكنه في الحقيقة صوت عالي جدًا محدّش بيسمعه.
وقد يبدو قوة، لكنه أحيانًا هروب.
وقد يبدو تحمّل، لكنه استنزاف.

والإنسان اللي بيكبت كل شيء… مش بيعيش، هو فقط بيؤجل انهياره.

امنحي نفسك حق البوح، وحق الغضب، وحق التعب، وحق الكلام.
فالروح لما تتنفس… الحياة كلها تتنفس معاها.



موضوعات مشابهه