الخميس ١١ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
07:50:30pm

مربكات لمصر على الطريق ٢ "ما بعد الحقيقية ورسل المربكات"

الثلاثاء ١٨ - مارس - ٢٠٢٥

محمود ابراهيم
المتخصص في الحملات السياسية والانتخابية

مازلنا مع المربكات على طريق التقدم والتطور المصري وهي كثيرة وهنا يبدو كيف تتكامل هذه المربكات مع بعضها البعض بحيث تصبح خطر غير منظور

وثالث هذه المربكات هو واقع ما بعد الحقيقة، ففي عام 2016، اختار معجم أكسفورد كلمة post truth أي "ما بعد الحقيقة"، ككلمة العام، وما بعد الحقيقة في تعريفها هي الظروف التي تكتسب فيها الحقائق الموضوعية تأثيرًا أقل في تشكيل الرأي العام، مقارنةً بتأثير ما تفضله العواطف والقناعات الفردية، التي يتم إيثارها على الحقائق العلمية وتنفي الحقائق الموضوعية وتشكل الرأي العام وتؤثر على العواطف والقناعات الفردية ومرتبط بيه مصطلحات مثل التضليل الإعلامي- المعلومات الخاطئة- الحقائق البديلة، وهو ما جعل الحقائق تتوه او يتم التعمية عليها او تغييرها لصالح ما يعرف بالحقائق البديلة.

ولك التصور في أن يكون هناك حقائق في أرض الواقع فتجدها تتراجع أمام سيل من الحقائق البديلة التي تشكل الرأي العام، ولك ان تنظر الي ما يحدث في غزة لتعرف كيف تؤثر الحقائق البديلة على الجماهير فتستطيع ان تخلق سياق بأن غزة انتصرت وان المقاومة التي تخطف وتقتل المدنيين انتصرت كذلك لتضيع الحقيقة والاهم من ضياعها هو عدم اتساق المقدمات مع النتائج.

خطورة هذا المربك هو انه بجانب المربك الثاني يتفاعلان مثل عنصري الكيمياء اللذان يتحدان لخلق عنصر جديد تماما مختلف وهو التشكيك في المنظومة القيمية للمجتمع فكثير من الأزمات التي يواجها مجتمعنا هي أزمة قيم، فالقيم هي مجموعة المعايير والضوابط التي بها يتشكل وجدان المجتمعات والأمم وتوجه سلوك الأفراد ويتحاكمون إليها وتعبر عن هويتهم، فنجد المجتمع يصبح مرتبك بلا قيم حاكمة وتختفي معاني وقيم منه بحكم أنها اما ملتبسة بين الحلال والحرام او ان رياح ما بعد الحقيقة تهدم ما تبقي من المنظومة القيمة اذا نجت من حيرة الحلال والحرام.

ورابع هذه المربكات ظاهرة المؤثرون او صانعي المحتوي، او رسل المربكات فتجد شخص يجلس ويملك أدوات تقنية معقولة او عالية ويقدم محتوي سياسي او اجتماعي او ديني ويقدم تفسيراً للأحداث وهو لا يعرف عنها شيء وغير مؤهل لها ولا يعرف سياقها، وقد ينقل من اقرانه فتصبح الرسالة التي تبدأ في مكان ما خلال اقل من ٤ ساعات منتشرة أسرع من النار في الهشيم، وتصبح رواية، هذه الرواية تخلق انطباع يصبح حقيقة دون الحاجة الي أي برهان من أي نوع.

ولك التصور الان لمواطن يجلس أمام شاشة المحمول ليتابع موضوع معين فتنهال عليه مربكات في صورة معلومات، فالتقاعس عن نصرة المظلوم في غزة حرام ونصرته جهاد وحلال ومع ذلك فغزة انتصرت في الحقائق البديلة ورسل المربكات يتحدثون اما عن خذلان الامة العربية لغزة او التحريض ضد الأنظمة التي خذلت غزة او عن الامن القومي العربي او الخطر الإيراني، او خيانة السلطة الفلسطينية للقضية ولكن لا أحد يستطيع ان يحمل حماس مسئولية ما حدث لأنها مقاومة ونقطة نور وسط خذلان الصهاينة العرب. وإذا حدث وانتقدت حماس فأنت ضد المقاومة ومتصهين عربي فلتلزم الصمت وتزيد المربكات.

دائرة جهنمية من المربكات ليست في قضية واحدة مثل القضية الفلسطينية ولكنها في كل القضايا والموضوعات وتستطيع ان تضع قائمة من مئة موضوع المربكات فيها كبيرة وكثيرة ومعقدة وبعضها موجه بحسن نية وبعضها بسوء نية وبعضها بجهل.



موضوعات مشابهه