الأحد ١٤ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
08:14:21pm

أزمة فرنسا "قنبلة موقوتة" تهدد استقرار أوروبا

الأحد ١٤ - سبتمبر - ٢٠٢٥

دخلت فرنسًا نفقًا مظلمًا تسيطر عليه حالة من عدم اليقين في عودة الاستقرار إلى البلاد

حيث تشهد أزمة سياسية واجتماعية، غير مسبوقة، وسط تحذيرات أوروبية من تداعياتها على استقرار

القارة العجوز، حيث تعيد الأزمة الحالية إلى الأذهان أزمة ديون منطقة اليورو عام 2010، لكن هذه

المرة تضرب قلب التكتل وليس أطرافه، بما يثير مخاوف جديدة من تزايد نفوذ اليمين المتطرف

 

وفى الوقت الذى أدى فيه رئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو مراسم تسلمه مهامه خلفًا

لفرانسوا بايرن، ورغم إصرار سيباستيان وهو وزير الدفاع السابق، فى أول خطاب له على عدم اتباع

منهج سابقيه، وإظهار القطيعة مع الأساليب القديمة، كانت الشوارع تشتعل بمواجهات عنيفة بين

المتظاهرين وقوات الأمن رفضًا لسياسات التقشف

 

ولم يعد الاضطراب السياسي والمالي في فرنسا مسألة داخلية تخص حكومة ماكرون وحدها، بل بات

عاملاً مؤثراً في حسابات الأسواق الأوروبية والعالمية. فثاني أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو يواجه اختبارات

صعبة تتعلق بميزانيته المثقلة، والنتيجة أن موجات القلق تجاوزت باريس لتصيب بروكسل وفرانكفورت

ولندن وواشنطن، فى صورة ارتدادات اقتصادية تترجمها الأسواق يوماً بعد آخر

 

وتدور نقاشات صاخبة، في مقر المفوضية الأوروبية ببروكسل، حول ما إذا كانت فرنسا قادرة على تقديم

خطة مالية متوسطة الأجل متسقة مع الإطار الأوروبي الجديد، و هذا الإطار الذي تم تفعيله مطلع 2024

ليمنح الدول مرونة مقابل التزامات واضحة بخفض الدين، يجد نفسه اليوم أمام أول اختبار جدي

 

ويراقب البنك المركزي الأوروبي، في فرانكفورت، تأثير الأزمة الفرنسية على انتقال السياسة النقدية

فارتفاع العوائد الفرنسية يعزز المخاوف من "تجزأ الأسواق" داخل اليورو، وهو كابوس لطالما سعى

البنك لتجنبه منذ أزمة ديون جنوب أوروبا

 

وفي حال تواصل الضغط على السندات الفرنسية، قد يجد المركزي نفسه مضطراً لتوضيح أدواته الوقائية

أو إعادة النظر في وتيرة خفض الفائدة، رغم تراجع التضخم إلى مستويات أقرب إلى الهدف، وهذ يعني

أن السياسة المالية المتعثرة في باريس قد تقيد السياسة النقدية في مجمل منطقة اليورو

بما فيها خفض سعر الفائدة

 

وتضيف الأزمة الفرنسية عنصر عدم يقين في لحظة حساسة للأسواق العالمية التي تواجه بالفعل

اضطرابات في أسواق السندات الأميركية وتوترات تجارية متصاعدة. ففي نيويورك، حذر محللون في

بنك "جي بي مورغان" من أن استمرار الأزمة في فرنسا سيزيد من جاذبية السندات الأميركية ملاذاً آمناً

ما قد يرفع الدولار أكثر ويضغط على التدفقات نحو الأسواق الناشئة

 

أما في آسيا، فقد أشار تقرير من "نيكاي" إلى أن المستثمرين اليابانيين أعادوا تقييم مراكزهم في

السندات الأوروبية، وزادوا مشترياتهم من الأصول الأميركية، تحسباً لتقلبات إضافية في منطقة اليورو

 

وقد بدأت التوترات في الساحة الفرنسية، بالتزامن مع تصويت الجمعية الوطنية على حجب الثقة عن

حكومة رئيس الوزراء المستقيل فرانسوا بايرو بعد مرو أقل من 9 أشهر على توليه المنصب، وتم سحب

الثقة منه بتصويت 364 نائبًا مقابل 194 مؤيدًا للحكومة

 

وأشارت صحيفة "التايمز" أن ماكرون هو من فجر الأزمة في البداية بإعلانه انتخابات مبكرة أفرزت

برلمانًا بدون أغلبية منقسمًا إلى ثلاث جبهات اليسار، الوسط، واليمين المتطرف، ويبحث عن شخصية

سياسية تطبق سياسة التقشف، رافضًا دعوة مارين لوبان زعيمة "التجمع الوطنى"

للاستقالة قبل انتهاء ولايته فى 2027

 

وخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع المدن الفرنسية رفضًا لخطط التقشف، بمشاركة

نقابات كبرى ونشطاء "السترات الصفراء"، وشهدت المظاهرات أعمال شغب وحرق مبانٍ ومحاولات

اقتحام محطات قطارات مثل "غار دو نور" فى باريس، في الوقت الذى نشرت فيه

السلطات الفرنسية 80 ألف فرد أمن وأعلنت اعتقال أكثر من 470 شخصًا

 

يأتي ذلك مع اقتراب موعد إعداد ميزانية العام الجديد، حيث تواجه حكومة لوكورنو ضغوطًا هائلة

وسط ديون عامة بلغت 116% من الناتج المحلى الإجمالى، بما يعادل نحو 3300 مليار يورو

وهو أعلى مستوى فى منطقة اليورو

 

وتتجاوز عواقب عدم الاستقرار فرنسا، لتشمل الاتحاد الأوروبي، ويحدث ما يمكن القول عنه

بأنه تحول في ميزان القوى في أوروبا، فمنذ عقود تتفاخر فرنسا بتوفير الاستقرار، على عكس

الحكومات الإيطالية المتقلبة، لكن هذه المقارنة انقلبت الآن، فإيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني

تُبشر بالاستقرار، بينما تواجه فرنسا أزمات اجتماعية وشللًا سياسيًا

 

كما بلغ الدين العام الفرنسي 113% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024

بعجز قدره 5.8%، أما إيطاليا، فعلى الرغم من ارتفاع عبء ديونها الإجمالية، فقد تمكنت من

تحقيق عجز قدره 3.4% فقط خلال الفترة نفسها، و يخضع كلا البلدين لـ"إجراء العجز المفرط"

التابع للمفوضية الأوروبية، لكن المحللين يتوقعون أن تُحرز روما تقدمًا أسرع في تعزيز

ماليتها العامة مقارنةً بباريس

 

وينعكس هذا أيضًا في بروكسل، حيث بدأت الشراكة الفرنسية الألمانية التقليدية التي وجهت

سياسة الاتحاد الأوروبي تظهر علامات توتر: فألمانيا تكافح من أجل تجاوز حدود ميزانيتها

 بينما تعاني فرنسا من الشلل بسبب الاضطرابات السياسية، وعلى النقيض من ذلك

تكمل إيطاليا، بقيادة ميلوني، الإجراءات اللازمة للخروج من إجراءات العجز المفرط في

الاتحاد الأوروبي، وقد بدأت بالفعل في ممارسة نفوذها في الشؤون الأوروبية



موضوعات مشابهه