المتحف الكبير يتفوق على متاحف العالم.. أشياء لا نجدها إلا فى الصرح العملاق
السبت ٠١ - نوفمبر - ٢٠٢٥
يأتي المتحف المصري الكبير كأيقونة معمارية وثقافية فريدة، تعيد تعريف مفهوم المتاحف فى
القرن الحادي والعشرين، ليس فقط بضخامته الممتدة على مساحة 117 فدانًا "491 ألف كيلو متر مربع"
عند أقدام أهرامات الجيزة، بل بما يقدمه من تجربة بصرية تفاعلية لا مثيل لها، تجسد عبقرية
المصري القديم بتقنيات العصر الحديث، هنا لن يشاهد الزائر القطع الأثرية فحسب، بل سيعيش
تفاصيلها عبر محتويات المتحف، والمسارات المدروسة بعناية، التي تحول كل خطوة إلى رحلة عبر الزمن
وبينما تمتد مساحة المتحف لتتجاوز بأضعاف متحف اللوفر في باريس "72 ألف متر مربع"
والمتحف البريطاني "92 ألف متر مربع"، فإنه لا ينافسهما في الحجم فقط، بل في الرؤية أيضًا، إذ يجمع
بين العلم والهندسة والروح المصرية القديمة في تصميم يليق بحضارة لا تزال تنبض بالحياة، فكل ما بداخله
بداية من المسلة المعلقة إلى الدرج العظيم يشكل عرضًا بصريًا مهيبًا لا يمكن رؤيته إلا داخل هذا الصرح
الذي سيغير وجه السياحة الثقافية في العالم
يبدأ مسار الزائر للمتحف المصري الكبير من ساحة الدخول الكبيرة، حيث تستقبله المسلة المعلقة
أول قطعة أثرية فى العالم تعرض بهذه التفنية الفريدة، تقف شامخة أمام البوابة الرئيسية للمتحف
لتروى قصة الملك رمسيس الثانى، وتظهر خرطوشه الذى ظل مخفيًا فى باطن المسلة
لما يزيد على 3500 عام
وتحدث الدكتور عيسى زيدان، المدير التنفيذي لنقل وترميم الآثار، من الناحية الأثرية وآليات تنفيذ
المسلة بهذا الشكل المعلّق، قائلًا: بعد معاينة المهندس اللواء عاطف مفتاح المشرف العام على
المتحف الكبير، لمسلة الملك رمسيس الثانى التى أحضرناها من منطقة صان الحجر، رأى أن فى
أسفل بدن المسلة خرطوش للملك رمسيس الثانى، ومع إجراء النقاش مع الأثريين وأهل العلم بالمتحف
اقترح اللواء عاطف أن يظهر ذلك الخرطوش، وبالفعل ظل يصمم حتى يستطيع الزوار أن يشاهدوا
الخرطوش الذى ظل فى باطن المسلة 3500 سنة، وخرج بتصميم علمى محكم حتى تصبح أول مسلة
معلقة على مستوى العالم، فى بانوراما عرض مبهر للغاية وتخطف الأبصار
وأضاف "زيدان": وبمناقشة آليات رفع المسلة، التى تبلغ وزنها 110 أطنان، أوضح المهندس اللواء
عاطف مفتاح أنه سيصمم قاعدة تزن 300 طن، بحيث تبقى على مدار العقود المقبلة معلقة فى مكانها
كما أحاط القعدة الرئيسية بخندق، بحيث لا تتأثر بعوامل خارجية مثل الزلازل حال حدوثها
حتى لا تصل الاهتزازات لجسم المسلة
وأشار المدير التنفيذي لنقل وترميم الآثار إلى أن الدراسة لتصميم قاعدة المسلة استغرقت 6 أشهر
الأمر لم يكن سهلًا وخصوصًا أنها أول مرة تنفذ على مستوى العالم، وتم تجميع وترميم المسلة لتصبح
وحدة واحدة من خلال مرممي المتحف الكبير، بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، لتصبح المسلة مرفوعة
على 4 أعمدة محفور عليها اسم مصر بجميع لغات العالم ترحيبًا بالزائرين
الدرج العظيم
الدرج العظيم، فهو أحد معجزات المتحف، فهو الأول من نوعه فى العالم، وسيرى زواره مجموعة كبيرة
من الملوك تكون فى استقبالهم فى أكبر متاحف العالم، إذ يضم حوالى 72 قطعة أثرية
وعن حكاية الدرج يروي لنا الدكتور عيسى زيدان تفاصيله، قائلًا: يتدرج الدرج العظيم طبقًا لسيناريو
العرض المتحفي إلى 4 موضوعات رئيسية، الأول وهو "الهيئة الملكية"، وذلك من خلال عرض مجموعة
متميزة من تماثيل الملوك التي مرت بمراحل تطورًا وتغيرات عديدة شهدها الفن الملكي في مصر القديمة
وبالرغم من ذلك كان من السهل التعرف على سمات الملوك وملامحهم في التماثيل
ومن أهم التماثيل المعروضة على الدرج العظيم في الموضوع الأول تمثال للملك سيتي الأول من
الجرانيت الوردي، تمثال للملك سنوسرت الثالث أو أمنمحات الرابع من عصر الدولة الوسطى مصنوع
من الكوارتزيت ويظهر عليه أميرتان وقد أُعيد استخدام التمثال مرة أخرى في عهد الملك رمسيس الثاني
والملك مرنبتاح، وتمثال للملك سيتي الثاني مصنوع من الكوارتزيت، من عصر الدولة الحديثة
وتمثال للملك أمنحتب الثالث، وتمثال للملكة حتشبسوت، وتمثال للمبارطور الروماني
كاراكالا من الجرانيت الأحمر
وحول الموضوع الثانى على الدرج العظيم، فيضيف الدكتور عيسى زيدان، أن يأتى بعنوان
"الدور المقدسة (أماكن العبادة)" إذ أن مسؤولية تشييد المعابد بمختلف أنواعها كانت تقع على عاتق الملك
بجانب أنه يؤول إليه شؤون صيانة مرافق المعابد وتجميلها، وقد خُصصت المعابد الجنائزية للملوك
بعد وفاتهم، وكان يعتبر كل معبد بمثابة السكن الخاص بالمعبودات وكانت أرواح هذه المعبودات تكمن
في التماثيل الموضوعة أمام المعابد، ومن أهم القطع المعروضة في هذا السياق
"عمودان وعتب من الجرانيت الأحمر للملك ساحورع من عصر الدولة القديمة، وتمثال على هيئة
أبو الهول للملك أمنمحات الثالث، وبوابة الملك أمنمحات الأول، وعمودان وعتب للملك
سوبك إم ساف الأول من عصر الدولة الوسطي، وناووس للملك سنوسرت الأول، ومسلة للملك
مرنبتاح، وقمة مسلة للملكة حتشبسوت، وناووس للملك رمسيس الثاني، وناووس للملك نختنبو الثاني
أما الموضوع الثالث، فهو يحكى عن "الملوك والمعبودات (الملك وعلاقته بالمعبودات)"، إذ كانت هناك
علاقة وطيدة في مصر القديمة، بين كلا من الملوك والمعبودات، وكانت تلك العلاقة قائمة على مبدأ
تقسيم المسؤوليات بين الملك والمعبودات، فالمعبودات تتعهد بكل ما يتعلق بشؤون السماء والنيل
والصحراء والعالم الآخر، أما الملك فقد كان حلقة الوصل بين المعبودات والبشر ومركز الوجود كله
باعتباره ممثلًا للمعبود على الأرض، وكان مسؤولًا عن حكم مصر والحفاظ على أمن واستقرار الدولة
وتأمين حدودها. وفي هذا القسم يتم عرض مجموعة متميزة من تماثيل المعبودات
والتماثيل الزوجية وتماثيل للثالوث المقدس
ويختتم الدكتور عيسى زيدان حديثة عن الدرج العظيم بحكاية موضوعه الرابع الذى يعبر عن
"الرحلة إلى الحياة الأبدية (رحلة إلى العالم اللآخر)، إذ يعتبر الموت عند قدماء المصريين بمثابة
بوابة المرور إلى العالم الآخر، حيث البعث والحياة الأبدية، لذا اهتم الملوك في مصر القديمة
بالحفاظ على أجسادهم بعد الوفاة، وتم دفنهم إما في الأهرامات أو المقابر الملكية، وفي هذا القسم
يتم عرض مجموعة من التوابيت الملكية ومنهم تابوت الملكة مِرس عنخ الثالثة من عصر الدولة القديمة
وتابوت الأمير خوفو جِدف، وتابوت الأميرة نيتوكريس، وتابوت جحوتي مِس
وتابوت حو سا إيست الأول، وتابوت تحتمس الأول
الثلاثة أهرامات داخل المتحف
فى نهاية رحلة الصعود للدرج العظيم سيرى الزائر أمامه مشهد مهيب لـ3 أهرامات من خلال
نافذة ضخمة، وكأنها داخل فاترينة عرض خاصة بالمتحف المصرى الكبير، مما يؤكد ويعبر أن
الإبداع المصرى خلال العصر الحديث، هو من مكتسبات مهارة أجدادنا التى صنعت حضارة
استطاعت أن تبهر العالم حتى وقتنا هذا
مقتنيات الملك الذهبى توت عن آمون
تعرض مقتنيات الملك الذهبى توت عنخ ىمون لأول مرة للزوار داخل قاعتين، وهنا يشير الدكتور
عيسى زيدان المدير التنفيذى للترميم ونقل الآثار بالمتحف المصرى الكبير، إن مقتنيات الملك
توت عنخ آمون سيتم عرضها لأول مرة بشكل كامل على مساحة 7000 متر مربع، بعدما كانت تعرض
جزء منها على مساحة 700 متر بالتحرير، كما أن إجمالي القطع التي سوف يتم عرضها للملك التي تبلغ
نحو 5537 قطعة، إذ كان يعرض منها حوالى 2000 قطعة فقط بالمتحف المصرى بالتحرير، فالجمهور
سوف يكون على موعد مع جميع ما كان يملكه توت عنخ آمون والتي سيرى منها قطع تعرض للمرة الأولى
قاعات تضم 12 صالة عرض
يضم المتحف الكبير 4 قاعات رئيسية، وتلك القاعات تضم 12 قاعة داخلية، والتي بدأ من عصر ما قبل
الأسرات عصر الدولة القديمة، إذ تبدأ بعصر الدولة الوسطى وعصر الدولة الحديثة
ثم العصر اليوناني الرومانى
مركبا الملك خوفو الأولى والثانية
المتحف الكبير يتفرد بضمه متحف نوعى خاص بمراكب خوفو، حيث أنه لأول مرة فى التاريخ سيتم عرض
مركب خوفو الأول التى تم نقلها من منطقة آثار الهرم إلى المتحف الكبير، والثانية التي تم رفع جميع أخشابها
وتم ترميمها وجارى تجميعها داخل مبنى ضخم وسيناريو عرض متميز لعرض المركبتين، بتصميم
المشرف العام على المتحف الكبير، وجاء ذلك في إطار دعم القيادة السياسية لملفات وزارة السياحة والآثار
والتوجيه برفع كفاءة وتطوير المشروعات الأثرية والتراثية، التي بدورها تحقق المردود الإيجابي
على السياحة المحلية والدولية
ويعد نقل مركب خوفو واحدًا من أهم المشروعات الهندسية الأثرية المعقدة، فهي نتاج جهد وتعب ودراسة
وتخطيط وإعداد وعمل جاد، امتد أكثر من 30 شهرًا، بداية من تولي المهندس اللواء عاطف مفتاح
المشرف العام على المتحف المصري الكبير والمنطقة المحيطة، وتمت الدراسة من أكتوبر 2018، وتم عرضها
على القيادة السياسية، وصدر القرار في مايو 2019 إلى أن تمت عملية النقل في أغسطس 2021
وجرت التجارب التي تسبق عملية النقل الفعلية للمركب على عدة مراحل، أولها انطلقت في يونيو 2021
حيث تمت محاكاة لعملية نقل مركب الملك خوفو الأولى، إلى المتحف المصري الكبير، بواسطة العربة الذكية
والتي تم استقدامها خصيصًا من بلجيكا، لنقل المركب كقطعة واحدة، بعد حمايتها وتأمينها أثناء التحرك
أما التجربة المحاكاة الثانية لعملية النقل يوليو2021، حيث جرت وقائع تنفيذها على مدى 3 أيام متتالية
وذلك بدءًا من الساعة الثامنة صباح الثلاثاء 13 يوليو، وحتى فجر يوم الجمعة 16 يوليو، وقد تمت بنجاح تام


