المصري الديمقراطي الاجتماعي
السبت ٠٨ - نوفمبر - ٢٠٢٥
حزب تداول السلطة
هلال عبدالحميد يكتب
ربما كانت مشاركتي في تأسيس وإعادة بناء عدد من الأحزاب والمشاركة كعضو قاعدي أو قيادي ، من أقصى اليسار كالحزب الشيوعي المصري - عندما كان سريًا – وحتى أقصى اليمين كحزب المحافظين، قد يراها البعض تناقضًا، ولكنني اعتقد أننا لسنا في مرحلة صراع طبقي أو أيدلوجي، بل نحن في مرحلة محاولة لمجرد البناء الحزبي.
فمنذ إعادة السادات للتجرية الحزبية بداية من المنابر الثلاثة في مارس ١٩٧٦ – يسار ويمين ووسط – وحتى تحويلها لأحزاب في نوفمبر من نفس العام ومصر تعيش مرحلة مخاض حزبي شديد التعثر ، تخضع ولادته القيصرية شديدة التعقيد لإرادة النظام الحاكم وأجهزته الأمنية،التي تحاول دومًا السيطرة على أحزابه، أو تخريبها، وإشاعة الانقسامات داخلها.ولذا فأنا أرى أننا ما زلنا في مرحلة البدايات ومحاولات الاتاحات والوجود الحزبي، لا الصراع والتنافس الطبقي والحزبي القائم على البرامج.
اتاحت لي تجربة المشاركة في تأسيس أحزاب وإعادة بناء آخرى تجربة فريدة ومتنوعة لمعايشتها من الداخل، ومعرفة كيف تُدار، وآليات العمل داخلها وعن قرب.
واعتقد جازمًا بأن الحزب المصري الديمقراطي، والذي شاركت في تأسيسه مع فوران ثورة يناير ٢٠١١، أكثر الأحزاب المصرية ديمقراطية داخلية.
فالمصري الديمقراطي الاجتماعي ومنذ تأسيسه والانتخابات تجرى فيه من القاعدة للقمة،وتشهد المنافسة فيه صراعًا شديدًا وتلاسنًا، واحتجاجات واعتصامات أحيانًا، قد يراها البعض نقيصة، ولكنها في الحقيقة جزء أصيل من عملية التنافس الانتخابي و
جزء من تجلياته، فجميعنا يرى التلاسن في الانتخابات الحزبية الامريكية سواء داخل الحزب الواحد، أو بين الحزبين الرئيسين: الجمهوري والديموقراطي، فما زال ترامب في كل خطاباته يلقح على بايدن ويصفه بكل نقيصة، ورأينا التنافس على الحصول على تذكرة الترشح على عمدة نيويورك بين مرشحين داخل الحزب الديمقراطي، وصلت الى أن الخاسر داخل الحزب ينافس زهران ممداني على منصب العمدة كمستقل بعد أن خسر معركته الحزبية.
وفي اليوم الأخير من شهر أغسطس ٢٠١٢ اكتمل نصاب المؤتمر العام الأول للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وفاز برئاسته محمد ابوالغار بالتزكية بعد عمل انتخابات بدأت بالقواعد وصولًا للمؤتمر العام، وبينما فاز محمد ابوالغار بالتزكية كونه قيمة فكرية ووطنية كبيرة ، فقد مرت معظم مقاعد الأمانات واللجان النوعية والهيئة العليا بتنافس انتخابي كبير فقد ترشح لعضوية الهيئة العليا التكميلية ١١٢ عضوًا على ٦٠ مقعدًا ، وقد فزت أنا شخصيًا بمقعد أمين عام المحليات في تنافس مع مرشح كان عضوًا بمجلس الشورى وقتها
وفي الأول من إبريل ٢٠١٦ عقد المؤتمر العام الثاني للحزب والذي أجريت فيه الانتخابات على كل مقاعد الحزب، وتنافست على الرئاسة قائمتان: الأولى ضمت نور فرحات رئيساً وزياد بهاء الدين نائبًا اول والثانية ضمت فريد زهران رئيسًا وباسم كامل نائبًا أول وكالعادة أشرف على الانتخابات المجلس القومي لحقوق الإنسان وفازت فيها قائمة فريد زهران بفارق ٤ أصوات في معركة انتخابية حامية سادتها مشادات وتلاسنات بين بعض أعضاء المؤتمر ولكن المؤتمر انتهى بمشهد تاريخي تشابكت فيه أيدى المتنافسين.
وفي يوم الجمعة ٦ مايو ٢٠٢٢ عقد الحزب مؤتمره الثالث لانتخاب قيادات الحزب وتحت إشراف المنظمات الحقوقية فازت قائمة التقدم بقيادة فريد زهران على قائمة التغيير برئاسة حنا جريس في انتخابات شهدت تنافسًا حادًا وطويلًا ومريرًا بدأ بالتنافس على قيادات المراكز والأقسام والمحافظات وأعضاء الهيئة العليا التي تنتخبها مؤتمرات المحافظات. وكان من الافت أن معظم القيادات والقواعد المسيحية بالحزب كانت مع فريد زهران، بينما كان المؤيدون لحنا جريس في غالييتهم العظمى من المسلمين مما يعكس نوعية التنافس الإيجابي بالحزب في مجتمع يحدد دستوره كوتة للمسحيين لأن المجتمع الذي اغلبه من المسلمين لم يتعود بعد على انتخاب المرشح المسيحي ، وإن كانت الكوتة نفسها تدار بطريقة فاسدة، تجعلها تنتج عكس مرادها – وتلك لها مقال خاص-
كان التنافس حادًا وشابته صراعات واتهامات بالتزوير، ولكن التنافس والصراع الحاد انتهى بفوز قائمة التقدم وفوز زهران برئاسة الحزب للمرة الثانية وعادت لُحمة الحزب للعودة للالتئام بعد المؤتمر العام
بينما كان الحزب يستكمل قاعدة بيانات مؤتمره العام الذي ينتخب رئيسًا جديدًا للحزب وانتخاب كافة المناصب القيادية والذي يجري بالمؤتمر العام، نشبت أزمة ما يسمى بقاعدة بيانات العضويات، والتي اعتصم بموجبها عدد من قيادات وعضويات الحزب بمقره الرئيس بوسط البلد بداية من مايو ٢٠٢٤ وكان البعض من خارج الحزب يراهن على تفجيره من الداخل، تعاملت قيادات الحزب بمسؤلية كبيرة وتركت مقر الحزب للمعتصمين، وبعد ازمة استمرت قرابة الشهر والنصف ومحاولات لعمل مؤتمر عام من قبل المعتصمين بقيادة محمود سامي وفي مفاوضات داخلية وتفاهمات مرنة تمكن فريد زهران من اطلاق مبادرة ( لم الشمل) تمكن من خلالها من إجراء مفاوضات وتشكيل لجنة لإدارة الحزب ووضع قواعد الانتخابات بناء على لائحة الحزب الداخلية، وعبر الحزب الأزمة ليدخل على الاستعداد للانتخابات النيابية موحدًا وبقواعد صارمة لاختيار مرشحيه لها
لجنة الانتخابات
تمكن المصري الديمقراطي الاجتماعي بعد أشهر قليلة من تأسيسه من أن يكون بالمركز الرابع من حيث عدد هيئته البرلمانية داخل مجلس الشعب، بينما كان الثاني بعد حزب الوفد العريق.
وقبيل أية انتخابات نيابية يشكل الحزب عن طريق الانتخاب من هيئته العليا لجنة انتخابات ويضع قواعد لاختيار مرشحيه لها سواء لمرشحي القائمة أو الفردي، ويضع نقاطًا لاختيار المرشحين، والانتخابات بطبيعتها تفجر التنافس الذي يصل أحيانًا لصراعات وتلاسنات واتهامات وتلك طبيعتها في النظم الديمقراطية، ولكن الحقيقة الثابتة لدى الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أنه لا يستبضع مرشحيه من خارجه مطلقًا( ومصطلح استبضاع المرشحين نحته فريد زهران ) فمعظم الأحزاب المصرية التي تشارك في القائمة الوطنية تأتي بمرشحين من خارج أحزابها، قد يهلون عليها ليلة فتح باب الترشح او قبلها بأيام قليلة، بينما التزم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي طوال الدورتين بترشيح مرشحيه من بين عضويات تنطبق عليها شروط صارمة من بينها مرور عامين على الالتحاق بالحزب كعضو عامل، بجانب شروط آخرى كثيرة كل شرط له نقاط معينة تلتزم بتقييمها لجنة الانتخابات بعد تلقي طلبات الترشح، ثم تسلم تقييمات المرشحين موثقة لرئيس الحزب ليتم ترتيب المرشحين كما وردت بتقييمات أعضاء اللجنة ليتم الاختيار منهم تنازليًا حتى استكمال العدد.
ومن خلال معلوماتي فإن الحزب رفض ويرفض زيادة عدد مقاعده بالقائمة بمرشحين من خارجه، متنازلًا عن الكثرة العددية لصالح شروطه الداخلية، في ميزة تُحسب للحزب ومفاوضه العنيد فريد زهران
تتنوع قيادات الحزب المصري الديمقراطي منذ تأسيسه مع ثورة يناير، فقد ضم قامات سياسية وفكرية وأدبية وفنية كبيرة ومتنوعة لم يضاهيه فيها غيره من الأحزاب، كما يمتلك الحزب لائحة داخلية ديمقراطية لا تسمح لأحد من قياداته لتولي المنصب لأكثر من دورتين، كما أنه تميز بتحديد نسبة في كل المراكز القيادية للمرأة لا تقل عن الثلث، كما أن عضوياته بمجلس النواب من المرأة زادت عن النصف في الفصل التشريعي الأول المشارف على الانتهاء، وشارفت على النصف في مترشحي القائمة للفصل التشريعي الثاني الذي بدأت إجراءات انتخاباته منذ أيام.
ومن غير شروط لائحية شكل المسيحيون حوالي ثلث هيئاته البرلمانية للفصل التشريعي الأول وهي ميزة لا تراها في أي حزب مصري آخر موالاة أو معارضة.
واعتقد أن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي يمثل قاعدة أصيلة وراسخة لبناء مجتمع لا طائفي، يعتمد على المواطنة والكفاءة، لا على التعصب الطائفي.
شفافية مالية
منذ تأسيس الحزب وحتى الآن يعتمد الحزب على إدارة مالية بالغة الشفافية، فكل جنيه يدخل خزينة الحزب يدخل بايصال رسمي وكل جنيه يصرف منز خزينة الحزب يصرف بإيصال رسمي وتجربتي الشخصية بالحزب تؤكد هذا، فحتى التبرع لإعالة بعض معتقلي الحزب وأسرهم والتي كانت تتم من خلال لجنة خاصة بالحزب وبتبرعات من بعض عضوياته،كانت تتم بشكل منهجي وبموجب ايصالات رسمية ، كل أمور الحزب المالية تتم بحوكمة بالغة الدقة، ويعرض الحساب الختامي في مؤتمراته العامة بشكل مفصل وموثق، كما تعرض موازنته للعام القادم .
والتبرع للترشح على القائمة يمثل معيارًا من معايير الترشح الكثيرة والمتعددة، وهو لا يمثل قيمة ذات بال من بين نقاط ومعايير الترشح، وتحديد المبلغ يكون حسب قدرات المتبرع وقد لا يصل لبضع عشرات أو مئات من الآلاف،أو حتى الملايين لمرشح أو اثنين والبعض يجدوله على أقساط شهرية أو سنوية. وهم يتبرعون في العادة ومنذ تأسيس الحزب دون ترشح
وبينما كان أبوالغار يمثل قمة النقاء الثوري والرومانسية السياسية، والصفاء الإنساني، فإن فريد زهران يمثل الخبرات السياسية والتنظيمية المتراكمة في صفوف اليسار، ومن خلال تجارب اعتقاله، وفي الوقت الذي تراه مرنًا للوصول لتفاهمات مع الرفاق وزملاء الحزب وقادرًا على إدارة دفة الصراع الحزبي بحنكة تجعله يخرج بالحزب من الازمات والصراعات أكثر قوة وتماسكًا فإنك ستجده عنيدًاز في التمسك بما يراه مبدئيًا، لا يقبل التفاهمات أو التنازلات، بل ويميل للصدامات، التي كلفته وتكلفه الكثير من حريته ومصادر رزقه .
تجربة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي تجربة ثرية ومبدعة ومؤثرة، وتعد أنموذجًا لبناء تجربة حزبية جريئة وصامدة ضد الاختراقات وقادرة ومثابرة ومنطلقة ومتعدية لأزمات كل الأحزاب المصرية منذ نشأة التجربة الحزبية الأولى، فهو حزب لديه أمانات جغرافية منتشرة ومغطية معظم محافظات الجمهورية، وكذا أمانات نوعية معظمها فاعل وجميعها: جغرافية ونوعية قائم على الانتخابات الحقيقية من القاعدة للقمة
ولديه مرشحون ومرشحات يغطون دوائر ومحافظات عدة ولديهم قواعد شعبية وانتخابية لو صادفت انتخابات شبه نزيهة لفازت أعداد كبيرة منهم
ولذا فيد عنونت مقالي وأنا مطمئن بـ( المصري الديمقراطي الاجتماعي حزب تداول السلطة )


