بالقدوه تبنى الأجيال أو تضيع

الجمعة ١٣ - يونيو - ٢٠٢٥
بقلم : نيفين ياقوت
القدوة أهم وسيلة من الوسائل التربوية المؤثرة تأثيرًا عميقًا في تنشئة الأبناء وهي المصدر الأول لتشكيل السلوك .
ومن هذا المنطلق علينا البحث عن مصادر القدوه الحسنه والبرامج التربوية الناجحه والمناسبه لمجتمعاتنا الشرقيه لكي نقدمها لأبنائنا فتكون السبيل الآمن والدرع الواقي لنجاتهم من فتن الحياه ومخاطرها
يقول الإمام الغزالي رحمه الله- عن قيمة القدوة الحسنة إن الأبناء لا يتعلمون بآذانهم ، بل بعيونهم ووجود القدوات ليس حديثًا مترفًا، ولا تنظيرًا فلسفيًّا قليل الفائدة والمحتوى؛ بل الواقع أن الإنسان إنما يكتسب أخلاقه وخبراته ومهاراته بالمحاكاة والاقتداء،
والمشاهد أن الفعل الصامت يغلب القول البرَّاق، أنا وأنت، وهو وهي، كُلٌّ مِنَّا بحاجة إلى وجود القدوة الهادي، وهي حاجة فطرية جِبِلِّيَّة. بالقدوة تستصلح البيوت أو تفسد، وبالقدوة تُبْنى الأجيال أو تضيع، فإنْ أردتم التغيير الناعم والتأثير الساحر، فاصنعوا القدوات الصالحة، خذوها وعوها: إن غرستم القدوات الصالحة، جنيتم جيلًا صالحًا طيِّب الأعراق، أعطني قدوة واحدة، ووفِّر بعدها ألف خطبة، وألف ألف مقال .
من هنا نجد أن دور الأم والأب هو أعظم وأهم دور في حياة الإنسان فهما القدوه الأولى التي يتلقاها الطفل وبفضلهما تبدأ رأسه الصغير الفارغ بتخزين ما يراه ويسمعه وتمتلئ صحيفة ذاكرته بكل مايحدث تماماً كما الكمبيوتر الذي يتغذى بالبيانات المدخله إليه .
ولكن مع الفارق فالكمبيوتر أصم يفعل كما يؤمر أما الإنسان فلديه روح وقلب يهوى ويشتهي ويتطلع لما حوله مما يجعله يحتاج إلى إجراء التعديلات المستمره لكبح جماح الأهواء البشريه التي لا تتوقف . ولذلك نقول أن العبء الأكبر يقع على عاتق الأبوين تتمثل في وضع خطة عمل بمجرد أن يبدأ طفلهم الشعور بمن حوله حتى قبل أن يستطع النطق فهو يلاحظ ويسجل كل شئ . فلك أن تتخيل أيها الأب عندما يجدك الطفل تنطق بشئ وتفعل عكس ذلك أو أن تنهاه عن الكذب وأنت تكذب أو تعد إبنك بشئ وتخلف وعدك أو غير ذلك من الصفات المذمومه ، لابد وضروري أن تجعل أفعالك منسجمة مع أقوالك .
وأهم شئ لكي تنجح في أن تكون قدوه لإبنك هو أن تتدرب أولا على ضبط النفس وأن تكون على يقين أنك دائماً مراقب رقابه دقيقه من طفلك طوال الوقت حتى في تعبيرات وجهك وحتى لو أظهر لك أنه يلعب ولا يهتم بما تقول أو تفعل فإنه يركز معك وأنت لا تدري . وأعلم جيداً أن السلوك العملي هو أقوى وسيلة لغرس القيم كالصبر، الأمانة، الإحسان، الاحترام.
وتأكد أنك خلال تربيتك لإبنك تصنع نسخه جديده منك فاحرص على تحسين نسختك وجودة انتاجك لأنها في النهاية ستعود بالنفع والخير عليك وعليهم وعلى مجتمعك الذي تنتمي إليه .
تأتي المرحله التاليه للوالدين في استخدام القدوه كوسيلة فعاله لتربية أبنائهم وهي ضرورة التواصل مع قدوات صالحة وربط الطفل بأشخاص إيجابيين من أقارب عاقلين ومعلمين مخلصين و أصدقاء صالحين
والحرص على إختيار البيئة التربوية والمدرسة التي تعزز وجود شخصيات مؤثرة مثل الحديث عن سير الصالحين وقصص الأنبياء و الصحابة و العلماء والشخصيات الملهمة المعاصرة.
وربط القصة بواقع الطفل ودائماً يفضل التحدث عن المواقف التي كان يتصرف النبي ﷺ مع الأطفال وأيضاً الحرص على تعريف إبنك أو بنتك بقصص حياة الصالحين الذين نفعوا أوطانهم وقدموا الإنجازات الكبيرة والتي غيرت أحوال مجتمعاتهم إلي الأفضل
أيضاً يفضل إن وجدت طفلك يحب الرياضة فاعرض له نماذج من قدوات رياضية لديهم أخلاق عالية .
وإن أحب التكنولوجيا، فحدثه عن مبتكرين أو علماء خدموا البشرية كما يجب أن تعلمه المشاركة في الفعل الصالح كتشجيع مشاركته في عمل جماعي تطوعي ، واعطيه ليتصدق وشجعه على مساعدة الآخرين . وحاول أن تشعره أنك تحب القراءة حتى يحبها واحرص على القيام بالشعائر والعبادات فهذه الأفعال تصنع قدوة بالمعايشة .
حتى ولو كنت من قبل لم تفعل ذلك فإنه يتحتم عليك أن تتغير أولا لكي تبني أسرتك على الأساس السليم .
ولي وصايا أحب أن أوجهها للآباء الذين لديهم مسؤولية تنشئة الأطفال ..ابتعدوا عن مشاهدة المشاهير من المفسدين الذين لديهم أجندات يعملون بها لإفساد أجيال وراء أجيال أو الثناء عليهم أمام أطفالكم حتى لا يعتبرونهم قدوه لهم .
و ليس شرطاً أن تتبعوا ما وجدتم عليه آباءكم بل عليكم البحث عن أنباء الصحابه و التابعين والتعرف على أحوالهم وأفعالهم التي دربهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنجحوا وأفلحوا وقادوا العالم لأن هذا طريق الفلاح وسبيل الرشاد .
لقد أعجبتني قصه حدثت في زمان عمر بن الخطاب جعلتني أفكر كيف كانت القدوه الصالحة لها بالغ الأثر على هؤلاء الصحابة والتابعين وكيف رفعت قدرهم وصلحت أحوالهم ..
ففي يوم من الأيام خرج عمر رضي الله عنه لتفقّد أحوال الناس، وعندما وصل إلى أحد البيوت سمع إمرأة وهي تطلب من ابنتها أن تخلط الحليب بالماء لتزيد من كمية الحليب وتحصل على نقود إضافية عند بيعه. نظرت الابنة إلى أمها وقالت: يا أمي، لقد حذّر الخليفة عمر بن الخطاب النّاس من الغشّ، وإذا خلطنا الحليب بالماء سنكون قد غششنا الناس.فقالت لها يا بنية فانك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر فقالت الصبية لأمها يا أمتاه ما كنت لأطيعه في الملأ واعصيه في الخلاء وعمر يسمع كل ذلك . فقال عمر لفتاه وكان إسمه أسلم : علم الباب واعرف الموضع ثم مضى . فلما أصبح قال يا أسلم امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها وهل لهم من بعل . فإذا الجارية أيّم لا بعل لها فأخبره أسلم بما عرف ، فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه وقال عاصم يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني, فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت وولدت الابنة عمر بن عبد العزيز" خامس الخلفاء الراشدين
أخرجها أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم .
هكذا كان الحال لمن يتخذ لنفسه القدوه الصالحه .