ثورة يوليو 52 وملامح الخطاب الثقافي والفني

الأربعاء ١٦ - يوليو - ٢٠٢٥
بقلم : نيفين ياقوت
أحدثت الثورة المصريه عام ١٩٥٢ تحولات جذريه لم يكن التغيير فقط في النظام السياسي ، بل أحدثت كذلك تحولات في خطاب الثقافة والفنون التي أصبحت أداة لتغيير التوجه الفكري وليست مجرد وسيلة ترفيهيه ،كما أصبحت صوتًا للشعب بعد أن كان حكرًا على طبقات محددة. ومن هنا تغيرت ملامح الخطاب الثقافي والفني في مصر .
كانت اللغه الفنيه والثقافية قبل الثورة تدور في فلك النخبة الإجتماعية بطابع راقٍ وكلاسيكي، يستخدم التلميح أكثر من التصريح، ويبتعد عن تناول قضايا الجماهير بشكل مباشر
فلقد سيطرت الطبقات الأرستقراطية والبرجوازية على الساحة الثقافية، وكانت المؤسسات الثقافية تميل إلى النمط الأوروبي في الذوق والمعالجة. وتميزت الأغاني بالكلمات الرومانسية والوجدانية، بلهجة ناعمة بعيدة عن السياسة أو القضايا الوطنية الملحة. أما الأدب، فكان يُعالج قضايا وجودية أو اجتماعية من منظور فلسفي، ويتسم بالرمزية والمحدودية في التأثير الشعبي.
أما بعد الثورة يوليو فقد تم الإهتمام بإحياء الفنون الشعبية والتراثية، وتمجيد الهوية المصرية والعربية، وتقديم المحتوى الثقافي بلغة سهلة وعاطفية تخاطب المشاعر والعقل في آنٍ واحد . لقد تحولت الثقافة إلى خطاب سياسي واجتماعي، يعبر عن أحلام الأمة وآمالها في التحرر والتنمية. فتغير الخطاب تمامًا تغيرت لغة الثقافة لتصبح في خدمة الوعي الشعبي والمشروع الوطني وأصبحت الدولة ترى في الفن وسيلة لبناء الوعي القومي وترسيخ قيم الثورة مثل العدالة الإجتماعية، والإنتماء لتخاطب الشعب بلغة يفهمها ويشعر بها . وتبنّت الدولة مفهوم "الثقافة للجماهير"، وسعت إلى نشر الوعي الثقافي في مختلف أرجاء البلاد، وخاصة في الأقاليم والقرى. فتم تأسيس الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1966، بهدف دعم الأنشطة الأدبية والمسرحية والموسيقية على مستوى المحافظات، ووصلت القوافل الثقافية إلى عمق الريف المصري ، كما شجّعت الدولة الترجمة، والنشر، والتعليم، من خلال مؤسسات مثل الهيئة العامة للكتاب، ومشروع مكتبة الأسرة، ما ساهم في خلق حركة تنويرية جديدة تستهدف مختلف فئات الشعب، وتربط بين الثقافة والهوية الوطنية.
وشهدت السينما المصرية عصرًا ذهبيًا بعد الثورة، حيث أصبحت تُعرف بـ"هوليوود الشرق"، وقدمت أعمالًا تناولت قضايا المجتمع والعدالة الاجتماعية والنضال الوطني. برز في هذه الفترة مخرجون كبار مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين، وأُنتجت أفلام تسلط الضوء على حياة العمال والفلاحين، وتدعو لبناء مجتمع جديد يحقق الكرامة للجميع. ومن الأفلام الخالدة "الأرض" و"شيء من الخوف" و"البوسطجي"، التي عكست هموم المواطن المصري وتطلعاته بعد الثورة.
في الوقت ذاته، شهد المسرح ازدهارًا واضحًا، وبرزت فرق مثل المسرح القومي، وظهر نجوم كبار مثل يوسف وهبي وسميحة أيوب، كما أصبحت الإذاعة والتلفزيون منابر قوية لبث الأعمال الفنية والثقافية، وساهمت في تشكيل وجدان المجتمع.
كما حققت الساحة الأدبية المصرية بعد الثورة صعود تيار أدبي جديد، تمثل في أدباء مثل نجيب محفوظ، الذي جسد التحولات الاجتماعية والسياسية في رواياته، بالإضافة إلى يوسف إدريس ، وعبد الرحمن الأبنودي، الذي أسس لمدرسة شعر العامية المقاومة.
وقد ارتبط الأدب بعد الثورة بمفاهيم التقدم، والعدالة، والتحرر، وبرزت موضوعات مثل الهوية، والاستعمار، والفقر، والانتماء الوطني، وظهر اهتمام واضح من الدولة بدعم الكتاب والمثقفين، رغم بعض فترات التوتر والخلاف بين النظام وبعض رموز الثقافة.
أما الأغنية الوطنية في مصر شهدت نهضة كبرى، وبرز فنانون مثل عبد الحليم حافظ بأغاني تمجد الثورة مثل "إحنا الشعب" و"صورة". كما انتعش المسرح الجماهيري،
إن التحول الكبير الذي أحدثته الثورة، أنها نقلت الفن من الصالونات المغلقة إلى الشارع، وجعلت الثقافة أداة للتعليم والتعبئة والمشاركة الوطنية. لم تعد الفنون محصورة في فئات معينة، بل أصبحت جزءًا من مشروع بناء دولة جديدة.
إن ما قبل ثورة يوليو 52 وما بعدها، فارق كبير في المضمون والأسلوب والجمهور المستهدف. فقد أصبحت الثقافة بعد الثورة لسان حال الشعب، بينما كانت من قبل تعبيرًا عن ذوق نخبة محدودة. ويمكن القول إن ثورة يوليو لم تُسقط فقط نظامًا سياسيًا، بل دشنت مرحلة جديدة من الوعي الثقافي .
لكنني أنتقد ظاهرة التشويه التاريخي والسياسي في بعض الأفلام السينمائية لفترات الحكام السابقين مثل" افلام الكرنك" "وليل وقضبان" "واحنا بتوع الاتوبيس "
حتى لو كانت تحكي وقائع حقيقيه ..لكنها تأتي دائماً بعد زوال حاكم تلك الفتره .. ولقد أحدث ذلك نوعاً من الفصام في عقول الشباب حينها .. فأنا مثلاً نشأت على محبة الزعيم جمال عبد الناصر وحزنت كثيراً عند وفاته رغم كنت طفله وقتها ولكنني أحببته لمحبة عائلتي له والجماهير العريضه .. ثم بعدما تغيرت القيادة السياسية وبدأ إنتاج أفلام سينمائية وعلى شاشات التلفزيون .. هدفها تغيير نظرة التقدير والإحترام والمحبه لهذا الزعيم .. وأعتقد أنها حققت هذا الهدف في تغيير عقول ومواقف الكتله الشبابيه حينذاك . ومن الطبيعي أن يكون هناك إيجابيات وأيضاً سلبيات في أي نظام سياسي لأي دولة كانت .. ولكن ما أقصده هو ينبغي عدم استغلال الفن والثقافة في خدمة حاكم من الحكام بصفه شخصيه بل يجب أن يكون الفن حياديا وموضوعيا حتى ينال ثقة الجماهير .