الحمائية السيبرانية .. عندما تنتقل الجدران والقيود الجمركية إلى العالم الرقمي.. السيادة تفرض نفسها على الإنترنت بعدما أصبح أداة للسيطرة

الأحد ٢٧ - أبريل - ٢٠٢٥
العولمة مفهوم هيمن على العالم في لحظة نهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي
عبر حالة من الانفتاح غير المحدود بين الدول، خاصة في الغرب، وفي القلب منه الولايات المتحدة
عبر الهجرة والتجارة الحرة، وإن بدأت الأخيرة مبكرا مع نهايات الحرب العالمية الثانية، عندما
اجتمعت 23 دولة في أكتوبر 1947، بعد الحرب العالمية الثانية، لتعلن انطلاق
"الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة"، والمعروفة باسم "الجات" بهدف إزالة
كافة العوائق بين الدول المشاركة أمام التجارة الحرة، إلا أن عدد الأعضاء تزايد بصورة كبيرة
في عام 1994، عبر التحول من "الجات" إلى "الجاتس"، والتي تأسست من خلالها
منظمة التجارة العالمية والتي وصل عدد أعضائها إلى 164 عضو منذ ذلك التاريخ
ولكن المشهد بدأ في الانقلاب تدريجيا، عبر العودة إلى زمن التعريفات الجمركية، وأحدثها تلك المتعلقة
بقررات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي قرر عدم إعفاء أحد، تزامنا مع إغلاق الحدود أمام المهاجرين
وهو الأمر الذي يتكرر ولكن في ساحة جديدة بالكامل، وهي الفضاء الرقمي، فالدول باتت تخشى على
المجتمعات من المهاجرين، وعلى أسواقها من المنتجات الأجنية، في حين تبقى الساحة السيبرانية
أشد خطرا، باعتبارها مظلة جامعة لكل ما سبق، حيث تمثل في جزء منها مرآة للمجتمع، وفي جزء آخر
آلية لتسويق منتجات الدول المنافسه لطرح منتجاتها، ناهيك عن كونها، في بعد ثالث، وسيلة للسطو
على بيانات سرية، مملوكة لأعتى المؤسسات وأقواها حماية، عبر هجمات سيبرانية
كانت مؤثرة بصورة كبيرة في توجيه الرأي العام الداخلي
وهنا أصبحت حدود الدول أكثر شمولا، حيث تجاوزت الموانئ وبوابات الجمارك، نحو أخرى غير مرئية
تحمل تأثيرا يفوق الأولى في ضوء شموليتها على النحو سالف الذكر
وعلى الرغم من الفرص التي أتاحها الانفتاح الرقمي فيما يتعلق بالتبادل التجاري مثلا، نجد أن ثمة
تكلفة باهظة في المقابل تكبدتها الدول، جراء وجود قوى اقتصادية ضخمة، في صورة منصات إلكترونية
ترتدي قناع الترفيه، ولكنها تتحكم في الإعلانات والتجارة الإلكترونية، وهو الأمر الذي كلف الدول النامية
والمتوسطة مئات المليارات لصالح شركات أجنبية، منها "ميتا" و"جوجل" و"أمازون"، كما لا يمكننا أن
نتغافل في الوقت نفسه عما ترتبت عليه تلك الحالة المنفتحة من تهديد أمني غير مرئي يستخدم سياسيا
في أوقات السلم والحرب معا، في ضوء تسريب بيانات ملايين البشر من قواعد البيانات الحكومية
واستخدامها في توجيه الرأي العام والتأثير على نتائج الانتخابات
وفي تحليل سابق نشره معهد "بروكنجز"، أكد أن سياسات توطين البيانات تدفع نحو تصنيفها
بحسب جنسيتها، وهو ما يفرض حالة أشبه بـ"القيود الجمركية"، على تدفق البيانات على غرار ما يحدث
مع السلع والبضائع، أو قد تتجاوز ذلك لتصبح "مواطنا رقميا" يجب أن يحمل "جواز سفر" في الوقت الذي
تستلهم فيه بعض الدول التجربة الصينية نحو بناء "انترنت سيادي"، يخضع للرقابة من قبل السلطات
مما يتيح لها السيطرة الكاملة في المحتوى المعلوماتي داخل حدودها، وهو الأمر الذي قد يشكل
نواة لاستحداث "تأشيرة رقمية" للسماح بدخول المستخدمين من الخارج وفق شروط وربما رسوم معينة
بحسب ما خلص إليه تقرير بمجلة "وايرد"
وهنا يصبح استمرار الانترنت بصورته العالمية المفتوحة محل شك كبير، في ضوء تزايد المخاطر
التي تواجهها الدول جراء الانفتاح الكبير وغير المحدود، وهو ما يعكس ارتباطه بالواقع الدولي، في
حيث بزغ كـ"طفرة تكنولوجية" عملاقة تزامنا مع ذروة العولمة، وبدا كفترة طويلة كأحد أهم رموزها
ولكنه بات يواجه قيودا كبيرة في سياق دولي يتراجع فيه بريق الديمقراطية وتعلو فيه أصوات السيادة
وتتداخل فيه سياسات الداخل مع صراعات الداخل