الخميس ١١ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
09:43:58am

النازيون الجدد

الخميس ٠٨ - مايو - ٢٠٢٥

بقلم الأستاذ:حسام الخشت أمين التنظيم المركزي لحزب العدل
في الثامن من مايو بينما تُضاء سماء بعض العواصم الغربية بالألعاب النارية احتفالًا بذكرى انتصار الحلفاء على النازية تغرق غزة في ظلام دامس تحت وابل من القنابل والصواريخ حيث تُرتكب مجازر جماعية بحق المدنيين العزل. في الوقت الذي تحتفل فيه معظم الدول الغربية بانتصارها على النازية في الحرب العالمية الثانية يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة أوقاتًا مأساوية منذ السابع من أكتوبر 2023 حيث شنت إسرائيل حربًا دموية أسفرت عن مقتل أكثر من 52000 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال وفقًا لوزارة الصحة في غزة. تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90 بالمئة من الضحايا هم من المدنيين الأبرياء مما يعكس استهدافًا منهجيًا للمدنيين في غزة على غرار سياسات إبادة جماعية سبق أن ارتكبتها الأنظمة القمعية في فترات سابقة من التاريخ

في الحرب علي غزة تم استخدام أسلحة مدمرة وصواريخ عالية التدمير بما في ذلك القنابل شديدة الانفجار مثل قنابل MK83 التي استُخدمت في قصف مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح في ديسمبر 2023. الهجوم أسفر عن مقتل 12 شخصًا بينهم صحفيون ونازحون إضافة إلى إصابة العشرات. وقد تركزت الضربات على المرافق الطبية والبنية التحتية الأساسية للقطاع حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية في السابع من مايو 2025 مدرسة الكرامة في حي التفاح التي كانت تأوي عائلات نازحة مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا. كما استهدفت غارة جوية في اليوم التالي سوقًا ومطعمًا مما أسفر عن مقتل 23 شخصًا آخرين بينهم عائلات بأكملها. في الوقت نفسه استهدفت الهجمات الإسرائيلية المستشفيات والمراكز الصحية بشكل ممنهج بما في ذلك مستشفى ناصر في خان يونس الذي تعرض للقصف عدة مرات مما أسفر عن مقتل عدد من المرضى والعاملين

ما يفاقم الوضع في غزة هو الحصار الإسرائيلي المفروض منذ مارس 2024 والذي أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية. نتيجة للحصار تم إغلاق العديد من مرافق الإغاثة المحلية والدولية ومنها وورلد سنترال كيتشن التي كانت توزع أكثر من 133000 وجبة يوميًا للمحتاجين. ورغم ذلك استمرت المعاناة بسبب منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية الضرورية مثل الطعام والدواء. ونتيجة لهذا ارتفعت حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في غزة حيث تم تسجيل أكثر من 10000 حالة تحتاج إلى علاج عاجل بينما توفي العشرات بسبب الجوع وسوء التغذية

لكن ما هو أكثر فظاعة في هذه الحرب هو الاستهداف الممنهج للمرافق الطبية وهو أمر يعكس تقليدًا مروعًا في الحروب الحديثة. في أكتوبر 2023 تم استهداف مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني في غزة الذي كان يُعد المستشفى الوحيد لعلاج مرضى السرطان في القطاع. وقد تعرض للقصف الإسرائيلي في ذلك الوقت وتعرض للتدمير الكامل في مارس 2025 مما أسفر عن وفاة العديد من المرضى من ذوي الحالات الحرجة. هذا النمط من الهجمات على المرافق المدنية يعد انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني ويُعد بمثابة جريمة حرب

إذا قمنا بالمقارنة بين ما يحدث في غزة اليوم وبين الفظائع التي ارتكبتها الأنظمة القمعية في فترات سابقة فإن الأوجه المتشابهة تتضح بشكل كبير. في الحرب العالمية الثانية قامت ألمانيا النازية بارتكاب العديد من الجرائم المشابهة ضد الإنسانية باستخدام الغازات السامة في معسكرات الاعتقال مثل أوشفيتز والتي شهدت إبادة جماعية شملت اليهود والغجر وأبناء الأقليات الأخرى. كما استخدم النازيون القنابل الحارقة ضد المدن الأوروبية في سياق الهجمات الجوية مما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين في ظروف وحشية

ثم كانت حرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين حيث استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة الكيميائية و النابالم ضد المناطق السكنية في فيتنام مما أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين الأبرياء. هذا الاستهداف العشوائي للمناطق المدنية يعد مثالًا صارخًا على استخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين في سياق الحرب وهو مشابه لما يحدث الآن في غزة من استخدام للأسلحة المحرمة دوليًا ضد المدنيين

كما أن مجزرة الطحين التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة في أكتوبر 2023 حين فتحت النار على حشود من المدنيين كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية في شارع الرشيد أسفرت عن مقتل 118 شخصًا وإصابة أكثر من 760 آخرين. هذه الحادثة تمثل صورة أخرى للوحشية التي يتعرض لها المدنيون في غزة حيث يُستخدم التجويع والتدمير الممنهج للبنية التحتية كأدوات حرب لتدمير الحياة اليومية للسكان

ورغم كل هذه الجرائم التي تُرتكب في غزة يظل المجتمع الدولي صامتًا بشكل مريب. في حين تُحيي العديد من الدول ذكرى انتصارها على النازية وتفخر بانتصاراتها في الحرب العالمية الثانية يبقى الصمت الدولي بشأن ما يحدث في غزة مؤلمًا. إن التفاوت الواضح في المعاملة بين الجرائم التي ارتكبها النازيون ضد الأبرياء وبين ما يحدث اليوم في غزة يعكس مدى اللامبالاة التي يبديها العالم أمام هذه الفظائع

بينما يُحتفل بانتصار الحلفاء على النازية يُذبح الفلسطينيون في غزة ويُمنعون من الحصول على حقوقهم الإنسانية الأساسية مثل الغذاء والدواء. إن هذا التناقض الفاضح في المعاملة حيث يُحاكم تاريخ الجرائم النازية بينما تُرتكب جرائم مشابهة في فلسطين بأيدٍ إسرائيلية تحت مرأى ومسمع العالم يطرح تساؤلات كبيرة عن مصداقية القيم الإنسانية التي يتغنى بها المجتمع الدولي. ما تقوم به إسرائيل اليوم يجعلها تستحق هذا اللقب التاريخي الثقيل النازيون الجدد. من غير المقبول أن يبقى الضمير العالمي صامتًا أمام هذه المجازر وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك لوقف هذه الانتهاكات المروعة والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية في المستقبل



موضوعات مشابهه