الوحدة وعلاقتها بالصحة النفسية: حين يصبح الصمت صديقًا مُرهقًا
الأحد ٠٧ - ديسمبر - ٢٠٢٥
بقلم: دكتورة داليا خليل اخصائي نفسي دكتوراه صحة نفسية وعلاج الإدمان
الوحدة مش دايمًا صوت عالي بيقول “أنا لوحدي”، ساعات بتكون إحساس هادي بيزحف جوا الإنسان من غير ما ياخد باله. ناس كتير بتعيش وسط زحمة الشغل، وضوضاء البيوت، والشارع اللي عمره ما بينام… ومع ذلك، تحس إن مفيش حد سامع قلبها. الوحدة مش مكان، ومش وقت، الوحدة حالة نفسية بتتولد لما الإنسان يبقى محتاج كلمة، حضن، أو حتى وجود حد يفهمه… ومش يلاقيه.
الوحدة: شعور مش لازم يبقى واضح
الإنسان ممكن يبقى بيضحك ويتكلم، ويشارك في كل حاجة، لكن من جوه حاسس إن روحه مبتتكلمش مع حد. زي بيت منور من بره بس فاضي من جوه. الشعور ده بيسيب علامة، ويمشي مع الشخص في كل تفاصيل يومه.
إزاي الوحدة بتأثر على الصحة النفسية؟
1. بتضعف المناعة النفسية
النفس زي الجسم… لها مناعة. الوحدة الطويلة بتخلي الإنسان أقل قدرة على مواجهة الضغوط. أي مشكلة صغيرة تتحول لجبل كبير، وأي كلمة توجع أكتر من الطبيعي.
2. بتكبر مساحة التفكير السلبي
لما الإنسان يقعد مع نفسه كتير من غير دعم أو حوار صحي، يبدأ عقله يعمل “سيناريوهات” كلها سودا. يفتكر إن مفيش حد بيحبه، أو إن وجوده مش مهم، أو إنه مش ناجح زي الناس… والتفكير ده ممكن يسحب الشخص لمنطقة فيها حزن وخوف وقلق.
3. بتزيد الإحساس بالعجز
اللي عايش وحدة غالبًا بيحس إنه مش قادر يعمل خطوات في حياته. يرجع خطوة في الشغل، أو في الدراسة، أو حتى في علاقته بنفسه. الإحساس بالعجز ده مش ضعف، لكنه رسالة داخلية إن النفس محتاجة دعم.
4. بتأثر على النوم والمزاج
اللي بيفكر بزيادة بينام قليل. والوحدة بتخلي الدماغ تشتغل طول الليل، وأول حاجة تتلخبط هي النوم. ومع قلة النوم، المزاج ينزل، والطاقة تختفي.
5. ممكن تتحول لاكتئاب صامت
لما الوحدة تستمر لفترة طويلة من غير تدخل، بتقلب لحالة اسمها "الانسحاب الداخلي". الشخص يبعد عن كل الناس، ويتوقف عن الاهتمام بنفسه، ويبدأ يشوف حياته بلون رمادي. وده بيكون طريق اكتئاب لو مفيش حد لاحظه.
ليه بعض الناس بتحس بالوحدة رغم وجود ناس حواليها؟
لأن العلاقات حوالين الشخص ساعات بتكون سطحية.
لأن فيه مشاعر جواه محدش يعرف يقراها.
أو لأنه اتعود يبقى القوي اللي بيسمع الناس… ومحدش بيسمعه.
أو يمكن اتحمل خيبات كتير، فبدأ يحمي نفسه بالعزلة.
الوحدة مش ضعف… لكنها نداء
الوحدة في بدايتها مش حاجة وحشة، بالعكس… ساعات بتبقى فرصة للتعرف على النفس، وتنظيم التفكير، والتقاط النفس. لكنها تتحول لحِمل لما الإنسان يفضل فيها من غير ما يبني جسور تربطه بالعالم.
إزاي نكسر دائرة الوحدة؟
1. ارجع لنفسك قبل الناس
ابدأ تسأل نفسك: "أنا محتاج إيه؟"
هل محتاج صديق؟ ولا محتاج هواية؟ ولا محتاج وقت مع نفسي بس على طريقة صح؟
2. طلّع مشاعرك
اتكلم مع حد تثق فيه. كلمة واحدة تشيل نص الحمل.
3. ابني روابط صغيرة وبسيطة
مش لازم صداقات كبيرة… ممكن علاقة طيبة مع زميل، جار، قريب. المهم يبقى فيه تواصل إنساني حقيقي.
4. اشتغل على يومك
الروتين البسيط—فطار، مشي، شغل، وقت راحة—يقلل مساحة الوحدة اللي العقل بيكبرها.
5. مارس هواية
الهوايات مش ترفيه… دي علاج. بتحرك الطاقة، وبتفتح باب للتعارف، وبتشغل العقل في حاجة إيجابية.
6. اسمع لنفسك بتركيز
لو الوحدة بدأت تتحول لحزن تقيل أو تعب نفسي، لازم تروح لحد متخصص. مش ضعف ولا عيب… ده احترام لنفسك.
الوحدة… لما تتحول لقوة
بعض الناس حولوا وحدتهم لشيء جميل. استخدموها في القراءة، الكتابة، بناء حياة جديدة، أو اكتشاف قيمتهم بعيد عن كلام الناس. الوحدة ممكن تبقى نقطة بداية، مش نهاية
في النهاية
الوحدة شعور إنساني عميق، بيمر على كل واحد في مرحلة ما، لكنها مش لازم تبقى قدر دائم. الإنسان اتخلق ليبني علاقات، يحكي، يسمع، يحب، ويتحب. وأقوى علاج للوحدة هو إننا ندي نفسنا حقها، وندي حياتنا فرصة تدخلها علاقات صحية ودعم حقيقي.
لو حسّيت يوم إنك لوحدك… افتكر إنك مش وحدك في الشعور. وفي حد في الدنيا ممكن يسمعك، حتى لو كان خطوة صغيرة منك تجاه العالم.


