مصر ومواجهة مشاريع التهجير الصهيونية صمود مستمر 1974-2025

السبت ٢٢ - مارس - ٢٠٢٥
كتب/ الأستاذ حسام حسن الخشت
بعد حرب أكتوبر 1973 دخلت المنطقة مرحلة جديدة من الصراع حيث حاولت إسرائيل استغلال التطورات السياسية لفرض مشروعها التوسعي مستندة إلى خطط مثل مشروع آلون الذي سعى لتهجير الفلسطينيين وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لكن مصر رغم التحديات الإقليمية والدولية لعبت دورًا محوريًا في التصدي لهذه المخططات سواء عبر التحركات الدبلوماسية أو التدخلات المباشرة لدعم الفلسطينيين.
مثّلت اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي فعلى الرغم من أنها ركزت بشكل أساسي على استعادة سيناء إلا أن مصر أصرت على تضمين بند خاص بحقوق الفلسطينيين في الاتفاق وهو ما قيد محاولات إسرائيل لشرعنة مشروع آلون بشكل كامل رفضت مصر الاعتراف بأي سيادة إسرائيلية على الضفة الغربية وأكدت أن هذه المناطق يجب أن تكون جزءًا من دولة فلسطينية مستقبلية كما أجبرت الاتفاقية الاحتلال الإسرائيلي على القبول بحكم ذاتي للفلسطينيين وهو ما أضعف محاولات فرض التهجير القسري بشكل مباشر وبعد توقيع الاتفاق استخدمت مصر علاقاتها الدبلوماسية للضغط على الولايات المتحدة لمنع تنفيذ مخططات الاستيطان الكبرى مثل توسيع المستوطنات في غور الأردن.
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 سعت إسرائيل لإعادة تفعيل خطط التهجير من خلال سياسات القمع والتهجير القسري خاصة عبر تدمير منازل الفلسطينيين بحجة عدم الترخيص وفرض حصار اقتصادي لإجبار السكان على مغادرة أراضيهم وتشجيع الهجرة الطوعية عبر التضييق المعيشي لكن مصر لعبت دورًا رئيسيًا في إفشال هذه المخططات من خلال احتضان منظمة التحرير الفلسطينية ودعم موقفها دوليًا ضد أي مخططات لترحيل الفلسطينيين وتحريك الجامعة العربية لإدانة سياسات الاحتلال مما أدى إلى قرارات دولية تدين الانتهاكات الإسرائيلية والتواصل مع القوى الدولية خاصة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لمنع فرض أي حلول تكرّس الاحتلال أو تدعم عمليات التهجير.
بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 حاولت إسرائيل إعادة صياغة مخططاتها التوسعية بطريقة جديدة حيث تم تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق أ وب وج بحيث تبقى معظم الأراضي الاستراتيجية تحت السيطرة الإسرائيلية وتوسعت المستوطنات بشكل كبير خاصة في غور الأردن بما يتماشى مع رؤية آلون القديمة كما استمرت إسرائيل في سياسة فرض الوقائع على الأرض من خلال بناء جدار الفصل العنصري عام 2002 الذي عزل مدنًا فلسطينية وحوّلها إلى جيوب منفصلة مشابهة لما كان يهدف إليه مشروع آلون لكن مصر لم تقف متفرجة فقادت جهود المصالحة الفلسطينية لضمان توحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ودعمت الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية مستقلة وهو ما بدأ يتحقق في الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما حذرت من خطورة السياسات الإسرائيلية ورفضت أي محاولات لفرض تهجير جديد خاصة في قطاع غزة
مع اندلاع انتفاضة الأقصى 2000-2005 لجأت إسرائيل إلى سياسات أكثر عنفًا كان أبرزها تنفيذ عمليات اجتياح واسعة للضفة الغربية مثل عملية السور الواقي عام 2002 وفرض حصار خانق على قطاع غزة بهدف إجبار سكانه على الرحيل وتصعيد سياسة الاغتيالات ضد القادة الفلسطينيين مثل استهداف الشيخ أحمد ياسين عام 2004 ومع ذلك واصلت مصر دورها الحاسم فتحركت دبلوماسيًا لوقف الحصار الإسرائيلي على غزة خاصة عبر اتصالاتها مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودعمت المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية كما عملت على فتح معبر رفح جزئيًا لكسر الحصار المفروض على غزة ومنع حدوث أزمة إنسانية قد تدفع السكان للهجرة القسرية.
في عامي 2023 و2024 ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة نفذ الاحتلال مجازر مروعة بحق الفلسطينيين حيث قصف الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد مستهدفًا المدنيين العزل في محاولة لفرض تهجير جماعي إلى سيناء مستغلًا التواطؤ الأمريكي والصمت الدولي كانت هذه الحملة واحدة من أسوأ الجرائم التي ارتكبها الاحتلال حيث تجاوز عدد الشهداء عشرات الآلاف بينهم آلاف الأطفال والنساء لم يكن القصف عشوائيًا بل كان ضمن خطة ممنهجة لإبادة الفلسطينيين وإجبارهم على الهروب من القطاع.
لكن مصر تصدت لهذه المحاولات بحزم حيث أعلنت موقفًا قاطعًا برفض أي تغيير ديموغرافي في المنطقة وحذرت إسرائيل من العواقب الوخيمة لمثل هذا المخطط كثفت القاهرة تحركاتها الدبلوماسية لوقف العدوان ودفعت نحو تدخل دولي لمنع تنفيذ عمليات تهجير قسري كما عززت دعمها الإنساني لغزة ورفضت فتح الحدود أمام أي عمليات تهجير مؤكدة أن الحل الوحيد هو إنهاء الاحتلال وليس تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
حتى عام 2025 تستمر إسرائيل في محاولاتها لفرض وقائع جديدة على الأرض سواء عبر توسيع المستوطنات في الضفة الغربية أو تشديد الحصار على غزة لكن مصر تواصل دورها التاريخي في حماية الفلسطينيين من مخططات الاحتلال من خلال تعزيز التعاون العربي والدولي والتمسك بحل الدولتين كخيار استراتيجي يمنع تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم.
ستظل مصر بمواقفها الثابتة وشعبها الواعي الصخرة التي تتحطم عليها كل مخططات التهجير القسري فكما أفشلت محاولات الاحتلال عبر العقود الماضية ستظل الدرع الحامي للأمة العربية والقضية الفلسطينية ولن تسمح يومًا بأن تكون أرضها بوابةً لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية مصر وحدها بشعبها وجيشها هي الحاجز الأخير أمام أي مخطط يستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وستبقى قلعة الصمود في وجه الاحتلال ومشاريعه الإجرامية.