الخميس ١١ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
01:28:23pm

معضلة الإيجار القديم: أزمة مؤجلة تبحث عن حل

الأحد ٠٤ - مايو - ٢٠٢٥

بقلم الأستاذ/ على ابوحميد

رغم أن معضلة الإيجار القديم بدأت منذ عقود، إلا أنها لا تزال حتى اليوم من أكثر القضايا العقارية والاجتماعية تعقيدًا وإثارة للجدل في مصر. فعشرات الآلاف من الوحدات السكنية والتجارية لا تزال خاضعة لعقود إيجار تم توقيعها في زمن كانت فيه الأسعار مختلفة تمامًا عن واقعنا الحالي، ما خلق حالة من "الجمود العقاري" وضياع الحقوق المتبادلة.
الكل يرى نفسه مظلومًا
المالك يرى أن العقار المملوك له لم يعد يدر عليه دخلًا يُذكر، وعاجز عن الصيانة أو الاستثمار في عقارات جديدة، بينما يرى المستأجر أنه دفع ما عليه عبر سنوات طويلة، ويخشى من التشريد أو فقدان سكنه. وبين هذا وذاك، ظهرت فئة بدأت تتاجر بالأمر، بشراء وحدات إيجار قديم بأسعار زهيدة ثم المطالبة بتحريرها أو استغلالها تجاريًا بالمخالفة.
أرقام تكشف حجم الأزمة
وفقًا لتقديرات لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري، فإن عدد الوحدات الخاضعة للإيجار القديم يقدر بنحو 3 ملايين وحدة، منها حوالي:
• 1.8 مليون وحدة سكنية
• 1.2 مليون وحدة تجارية وإدارية ومخازن
وهذه العقود أغلبها موروثة عبر الأجيال، والبعض يدفع إيجارًا شهريًا لا يتجاوز 10 إلى 20 جنيهًا في عقارات قد تكون قيمتها السوقية ملايين الجنيهات، وتوجد في مواقع حيوية.
استفادة الدولة من الحل المنظم
من أبرز الأبعاد المهمة في هذا الملف، ما يمكن أن يعود على الدولة نفسها من تنظيمه. فوزارة الأوقاف، على سبيل المثال، تمتلك أكثر من 100 ألف وحدة سكنية وتجارية مؤجرة بنظام الإيجار القديم، منها عقارات في وسط البلد، والإسكندرية، ومناطق استراتيجية.
الكثير من هذه العقارات تدر دخلًا لا يتجاوز 1% من قيمتها السوقية، مما يمثل نزيفًا مستمرًا في العائد العام للأوقاف. تنظيم الملف يمكن أن يسهم في:
• زيادة عائدات وزارة الأوقاف بما يتجاوز مليارات الجنيهات سنويًا.
• تمكين الوزارة من استثمار أصولها العقارية في مشروعات خدمية وتنموية.
• فتح سوق إعادة التأهيل العقاري والاستثمار الحضري.
الحل: تدرّج وإنصاف وعدالة اجتماعية
لا بد أن يقوم الحل على التدرج والعدالة، ويشمل:
• وضع جدول زمني لتحرير الإيجارات حسب نوع الوحدة وتاريخ العقد.
• تقديم دعم مباشر للمستأجرين غير القادرين.
• إنشاء صندوق من الدولة لدعم الانتقال أو الفروق في الإيجار.
• السماح بتحرير عقود الوحدات المغلقة وغير المستغلة.
معضلة الإيجار القديم ليست مجرد ملف عقاري، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على إعادة تنظيم ما هو مختل منذ عقود.

والمكسب هنا ليس فقط لأصحاب العقارات أو المستأجرين، بل للدولة نفسها، التي يمكن أن تستعيد مليارات الجنيهات من أصولها المجمدة، وتعيد إحياء قلب المدن القديمة بحلول عادلة ومنظمة



موضوعات مشابهه