الخميس ١١ - سبتمبر - ٢٠٢٥ القاهرة
01:14:18pm

هكذا سقطت سمرقند

الجمعة ٢٥ - أبريل - ٢٠٢٥

بقلم : نيفين ياقوت

وصل "جنكيزخان" إلى مدينة (سمرقند) وحاصـرها من كل الإتجاهات ، وكان من المفروض أن يخرج له الجيش الخوارزمي النظامي ، ولكن لشدة الأسف ؛ لقد دب الرعب في قلوبهم ، وتعلقوا بالحياة تعلقًا مخزيًا ، فأبوا أن يخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة ..!!

فإجتمع أهل البلد وتباحثوا في أمرهم بعد أن فشلوا في إقناع الجـ ـيش المتخاذل أن يخرج للدفاع عنهم ، وقرَّر البعض من الذين في قلوبهم حمية من عامة الناس أن يخرجوا لحـرب التتار.
وبالفعل خرج سبعون ألفًا من شجعان البلد ، ومن أهل الجَلد ، ومن أهل العلم ، خرجوا جميعًا على أرجلهم دون خيول ولا دواب ، ولم يكن لهم من الدراية العسـ ـكرية حظ يُمكُّنهم من القـ ـتال ، ولكنهم فعلوا ما كان يجب أن يفعله الجـ ـيش المتهاون الذي لم تستيقظ نخوته بعد.

وعندما رأى التتار أهل (سمرقند) يخرجون لهم قرَّروا القيام بخدعة خطيرة ، وهي الإنسحاب المتدرِّج من حول أسوار المدينة ، في محاولة لسحب المجاهدين المسلمين بعيدًا عن مدينتهم ، وهكذا بدأ التتار يتراجعون بعيدًا عن (سمرقند) وقد نصبوا الكمائن خلفهم ، ونجحت خطة التتار ، وبدأ المسلمون المفتقدون لحكمة القـ ـتال يطمعون فيهم ويتقدَّمون خلفهم ؛ حتى إذا إبتعد رجال المسلمين عن المدينة بصورةٍ كبيرة أحاط جـ ـيش التتار بالمسلمين تمامًا ، وبدأت عملية تصفية بشعة لأفضل رجال (سمرقند).

كم من المسلمين قـ ـُتِل في هذا اللقاء غير المتكافئ؟!

لقد قُتِلوا جميعًا !! ، لقد أستـ ـشهدوا عن آخرهم !! .. فقد المسلمون في (سمرقند) سبعين ألفًا من رجالهم دفعة واحدة ..!!

والحق أن هذه لم تكن مفاجأة ، بل كان أمرًا متوقعًا ؛ لقد دفع المسلمون ثمن عدم إستعدادهم للقـ ـتال ، وعدم إهتمامهم بالتربية العسـرـكرية لأبنائهم، وعدم الإكتراث بالقوى الهائلة التي تحيط بدولتهم.
وعاد التتار من جديد لحصار (سمرقند) ، وأخذ الجـ ـيش الخوارزمي النظامي قرارًا مهينًا ..!!
لقد قرَّروا أن يطلبوا الأمان من التتار على أن يفتحوا أبواب البلدة لهم ؛ وذلك مع أنهم يعلمون أن التتار لا يحترمون العهود ، ولا يرتبطون بأتفاقيات ، وما أحداث (بخارى) منهم ببعيد ؛ ولكن تمسكهم بالحياة إلى آخر درجة جعلهم يتعلقون بأهداب أمل مستحيل ، وقال لهم عامة الناس: «إن تاريخ التتار معهم واضح» ، ولكنهم أصرُّوا على التسليم ، فهم لا يتخيلون مواجهة مع التتار .
وبالطبع وافق التتار على إعطاء الأمان الوهمي للمدينة ، وفتح الجـ ـيش أبواب المدينة بالفعل ، ولم يقدر عليهم عامة الناس ، فقد كان الجـ ـيش الخوارزمي كالأسد على شعبه ، وكالنعامة أمام جـ ـيوش الأعداء ..!!

وفتح الجنود الأبواب للتتار وخرجوا لهم مستسلمين ، فقال لهم التتار: «ادفعوا إلينا سلاحكم وأموالكم ودوابكم ، ونحن نسيّركم إلى مأمنكم».
ففعلوا ذلك في خنوع ، ولما أخذ التتار أسلحتهم ودوابهم فعلوا ما كان متوقعًا منهم ، لقد وضعوا السيف في الجنود الخوارزمية فقـ ـتلوهم عن آخرهم !! ، ودفع الجند جزاء ذلتهم ... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم دخل التتار مدينة (سمرقند) العريقة ، ففعلوا بها مثلما فعلوا سابقًا في (بخارى) ، فقـ ـتلوا أعدادًا لا تحصى من الرجال والنساء والأطفال ، ونهبوا كل ثروات البلد ، وانتهكوا حرمات النساء ، وعذبَّوا الناس بأنواع العذاب البشعة بحثًا عن أموالهم ، وسبوا أعدادًا هائلة من النساء والأطفال ، ومن لم يصلح للسبي لكِبر سِنه ، أو لضعف جسده قـ ـتلوه ، وأحـ ـرقوا الجامع الكبير ، وتركوا المدينة خرابًا ..!!

وليت شعري !!
كيف سمع المسلمون في أطراف الأرض آنذاك بهذه المجـ ـازر ولم يتحرَّكوا ؟!! ... كيف وصل إليهم إنتهاك كل حرمة للمسلمين ، ولم يتجمعوا لقـ ـتال التتار ؟!! ... كيف علِموا بضياع الدين ، وضياع النفس ، وضياع العِرض ، وضياع المال ، ثم ما زالوا متفرِّقين ؟!!.

لقد كان كل حاكم من حكام المسلمين يحكم قطرًا صغيرًا ، ويرفع عليه علمًا ، ويعتقد أنه في أمانٍ ما دامت الحـ ـروب لا تدور في قطره المحدود !! ، لقد كانوا يخدعون أنفسهم بالأمان الوهمي حتى لو كانت الحـ ـرب على بعد أميال منهم ..!!



موضوعات مشابهه