مربكات لمصر على الطريق ٣ "رسل المربكات ورسائلهم: تسييس كل شيء"
الخميس ٠٨ - مايو - ٢٠٢٥
مازلنا مع المربكات على طريق التقدم والتطور المصري وهي كثيرة وهنا يبدو كيف تتكامل هذه المربكات مع بعضها البعض بحيث تصبح خطر غير منظور
وفي المقال السابق مربكات لمصر علي الطريق ٢ تحدثنا عن رسل المربكات الذي يصنعون رأياً عاما لا يستند الي دليل بل الي انطباعات وهي ما يخلق فوضي معرفية واخلاقية، ومازلنا مع رسائل المربكات التي يبثها هؤلاء الرسل، وتبدو واحدة من هذه الرسائل هي عملة تسييس كل شيء.
تسييس كل شيء: من الاقتصاد إلى الأخلاق
تُعد ظاهرة "تسييس كل شيء" من أخطر المربكات التي تعرقل مسيرة الوعي والتقدم في مصر، إذ تُختطف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وتُعاد صياغتها داخل قوالب سياسية حادة تعيق أي نقاش عقلاني أو معالجة فنية موضوعية.
في هذا السياق المربك، لم يعد ممكنًا تناول أزمة اقتصادية، كالتضخم أو تحرير سعر الصرف أو سياسات الدعم، دون أن يُنظر إليها من زاوية الانحياز السياسي أو الاتهام بالولاء أو المعارضة. وتتفاقم خطورة الظاهرة حين تتجاوز الملفات الاقتصادية والإدارية لتطال ما هو أعمق: القيم الأخلاقية والدينية.
فقد أصبح من السهل اتهام من يدعو إلى التسامح أو ينتقد مظاهر التشدد بأنه "متواطئ مع خطاب غربي"، ومن يتحدث عن حرية الملبس يُوصم بأنه "متحلل" أو "عدو للدين"، بل وقد يُوصف بـ"الديوث" إذا ظهر في صورة مع زوجته أو شقيقته التي ترتدي ما يختلف عن الصورة الذهنية التي يفرضها رسل المربكات وأتباعهم، فتتحول حرية الملبس إلى قضية صدام رمزي حول الأخلاق والدين.
حتى واقعة إغلاق محل حلويات — سواء لأسباب صحية كما أعلن رسميًا أو لأسباب أخرى كما تم الترويج عبر رسل بعض من رسل المربكات — لم تَسلم من هذا التسييس، إذ اعتبرها البعض الاخر من الرسل اعتداءً على "قيم الأسرة المصرية" ونموذجًا لفوضى الجيل الجديد، بل وذريعة للحديث عن "انهيار الهوية" عبر تغيير أنماط استهلاك الحلوى، في معركة وهمية تستنزف الوعي وتستبدل النقاشات الحقيقية بصراعات رمزية لا طائل منها.
المربك الأكبر يتمثل في التردد بين التفاعل أو تجاهل هذه المعارك، لكنها — وبضغطة زر "مشاركة" واحدة — تكتسب حياة وانتشارًا، وتتحول إلى وقود دائم للفوضى المفاهيمية.
ونتيجة هذا التسييس الشامل، باتت السياسة إما صراخًا على منصات التواصل الاجتماعي، أو لا مبالاة كاملة، وفي كلتا الحالتين يخسر النقاش الجاد وتغيب القدرة على بناء مساحات مشتركة للتفاهم والإصلاح.
موضوعات مشابهه
مربكات لمصر على الطريق ٣ "رسل المربكات ورسائلهم: تسييس كل شيء"

الخميس ٠٨ - مايو - ٢٠٢٥
بقلم الباحث السياسي المستشار محمود ابراهيم
مع المربكات على طريق التقدم والتطور المصري وهي كثيرة وهنا يبدو كيف تتكامل هذه المربكات مع بعضها البعض بحيث تصبح خطر غير منظور
وفي المقال السابق مربكات لمصر علي الطريق ٢ تحدثنا عن رسل المربكات الذي يصنعون رأياً عاما لا يستند الي دليل بل الي انطباعات وهي ما يخلق فوضي معرفية واخلاقية، ومازلنا مع رسائل المربكات التي يبثها هؤلاء الرسل، وتبدو واحدة من هذه الرسائل هي عملة تسييس كل شيء.
تسييس كل شيء: من الاقتصاد إلى الأخلاق
تُعد ظاهرة "تسييس كل شيء" من أخطر المربكات التي تعرقل مسيرة الوعي والتقدم في مصر، إذ تُختطف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وتُعاد صياغتها داخل قوالب سياسية حادة تعيق أي نقاش عقلاني أو معالجة فنية موضوعية.
في هذا السياق المربك، لم يعد ممكنًا تناول أزمة اقتصادية، كالتضخم أو تحرير سعر الصرف أو سياسات الدعم، دون أن يُنظر إليها من زاوية الانحياز السياسي أو الاتهام بالولاء أو المعارضة. وتتفاقم خطورة الظاهرة حين تتجاوز الملفات الاقتصادية والإدارية لتطال ما هو أعمق: القيم الأخلاقية والدينية.
فقد أصبح من السهل اتهام من يدعو إلى التسامح أو ينتقد مظاهر التشدد بأنه "متواطئ مع خطاب غربي"، ومن يتحدث عن حرية الملبس يُوصم بأنه "متحلل" أو "عدو للدين"، بل وقد يُوصف بـ"الديوث" إذا ظهر في صورة مع زوجته أو شقيقته التي ترتدي ما يختلف عن الصورة الذهنية التي يفرضها رسل المربكات وأتباعهم، فتتحول حرية الملبس إلى قضية صدام رمزي حول الأخلاق والدين.
حتى واقعة إغلاق محل حلويات — سواء لأسباب صحية كما أعلن رسميًا أو لأسباب أخرى كما تم الترويج عبر رسل بعض من رسل المربكات — لم تَسلم من هذا التسييس، إذ اعتبرها البعض الاخر من الرسل اعتداءً على "قيم الأسرة المصرية" ونموذجًا لفوضى الجيل الجديد، بل وذريعة للحديث عن "انهيار الهوية" عبر تغيير أنماط استهلاك الحلوى، في معركة وهمية تستنزف الوعي وتستبدل النقاشات الحقيقية بصراعات رمزية لا طائل منها.
المربك الأكبر يتمثل في التردد بين التفاعل أو تجاهل هذه المعارك، لكنها — وبضغطة زر "مشاركة" واحدة — تكتسب حياة وانتشارًا، وتتحول إلى وقود دائم للفوضى المفاهيمية.
ونتيجة هذا التسييس الشامل، باتت السياسة إما صراخًا على منصات التواصل الاجتماعي، أو لا مبالاة كاملة، وفي كلتا الحالتين يخسر النقاش الجاد وتغيب القدرة على بناء مساحات مشتركة للتفاهم والإصلاح.